عاش الجيش المصرى مرحلة انتقالية لمدة عامين، بدأت من ٨٩ عندما أقيل المشير أبوغزالة، وانتهت عام ٩١ بتولى حسين طنطاوى وزارة الدفاع، وطوال العامين كان القائم بأعمال الوزارة بشكل فعلى هو الفريق صفى الدين أبوشناف، الذى تقلد منصب رئيس الأركان من عام ٨٧ وعاصر فترة أبوغزالة عامين، علم من خلالها الكثير، خاصة أنه كان بين الرجلين احترام متبادل، وكان للمناصب التى تقلدها أبوشناف هو ما جعل مبارك غير قلق على الجيش، فالرجل أى أبوشناف كان رئيساً للجنة المصرية - الإسرائيلية المشتركة المعنية بتنفيذ اتفاقية السلام وتسلم سيناء، وبالتالى فهو على دراية بهذا الملف الأكثر سخونة آنذاك، كوّن العشر سنوات الأول بعد الاتفاقية دائماً ما تكون فترة اختبار للأطراف، وأبوشناف ترأس أيضاً جهاز المخابرات الحربية وكان مساعداً لرئيس الأركان الذى سبقه قبل أن يتقلد بنفسه المنصب، ما سبق لم يجعل مبارك قلقاً على الجيش، فلقد أراد للقوات المسلحة فى تلك الفترة أن تعيش حالة (سكون)، وذلك لأمور ثلاثة، الأول لتهدئة أمريكا وإسرائيل بأن الجيش المصرى ليس متحفزاً عسكرياً لإدارة حرب فى هذا التوقيت الذى يشتغل فيه العالم على مناطق أخرى عربية وهى الخليج، وتسعى أمريكا لأن تنهى الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفيتى والقيام بتفكيكه بأيدى ساسته ومخابراته، لتضمن أن تكون تلك القوة المنافسة لها فى أدنى مستوى لفاعليتها للتأثير فى منطقة الخليج والدول الحليفة سوريا وليبيا على وجه الخصوص، الأمر الثانى كان مبارك يريد وزيراً لا يتمتع بالصفة السياسية بجانب العسكرية، والذى يعتبر أبوغزالة هو آخر وزير دفاع مصرى حتى الآن حصل على تلك الصفتين، وهو ما جعل مبارك مشغولاً بمن يخلف أبوغزالة، خاصة بعد أن أطاح بأغلب القيادات (مجموعة أبوغزالة)، ولقد عين مبارك قائداً للقوات الجوية من قادة الصف الثانى الذين عملوا تحت قيادته وهو قائد للقوات الجوية، وكان الاختيار لـ(علاء بركات)، وهنا اطمأن مبارك بأن لديه اثنين يدينان بالولاء التام له (أبوشناف وبركات)، ليعتمد عليهما كلية ولم يبق لديه سوى اختيار وزير للدفاع مهادن وليس لديه أى طموح عسكرى يذكر، وأيضاً يجب أن يكون من أجيال سابقة بكثير عن القادة الموجودين حالياً كصف أول وثان بالجيش، ويذكر فى هذا السياق أن مبارك ظل فترة يضع (البدل الأربع) للزى العسكرى للأفرع المختلفة، ليوحى للبعض بأنه إذ ربما يأتى بأى من هذه القيادات بوزير دفاع فى حركة مناورة منه للوقوف على المتطلعين، وبعد ذلك فاجأ الجميع بأن الوزير هو شخص ترك الجيش منذ عشر سنوات وانخرط فى العمل المدنى كمحافظ بعدة محافظات، وأن القادة الموجودين حالياً لم يكن أى منهم يعرفه من واقع الخدمة تحت قيادته، ولكن عملوا مع تلاميذه ولذا لن يكون لأحدهم أى رابط روحى به، ومن ناحية أخرى فإن مبارك طلب من يوسف صبرى أبوطالب، وهو الذى وقع اختياره عليه كوزير للدفاع، بأن يكون واجهة فقط فى المقابلات وبحضور رئيس الأركان وأن تكون الأوامر العسكرية والتعليمات ممهورة بتوقيعه لإثبات فترة توليه الوزارة، وظل الحال هكذا حتى عامين كاملين عاصرته أكبر أزمة عربية فى المنطقة وهى (غزو العراق للكويت أو حرب الخليج الثانية كما يطلق عليها عالمياً)، ولكن قبل هذا كان الأمر الثالث الذى شغل مبارك وعليه استبقى الجيش فى حالة سكون وهو انشغاله الكامل بالملف السياسى للدولة على المستوى العربى والدولى، واسترداد العلاقات التى قد قطعت فى عهد السادات، وأيضاً كان يسابق الزمن فى أن تسترد مصر دورها بأن ترجع (جامعة الدول العربية) إلى مقرها بالقاهرة كما تنص المادة العاشرة من ميثاق الجامعة، لأنه بسبب القطيعة العربية لمصر منذ اتفاقية السلام التى قام بها السادات فقد تم سحب الجامعة لتكون بتونس بديلاً عن مقرها الأساسى، وكان استرداد مصر للجامعة لا يقل أهمية عند مبارك عن استرداد طابا، فكان يعلم أن كليهما هو ربط عضوى بينه وبين الشعب المصرى الذى حزن لفراق الجامعة واستقرارها بعيداً عن أرضه وهو المؤسس لها، ونظراً لحساسية هذه القضية فقد كانت الرغبة منذ رجوع مصر للجامعة عام ٨٩ ورجوع المقر عام ٩٠ هو الحفاظ على مصالح تونس التى كانت دولة المقر المؤقت للجامعة، وكان هذا هو محور التحرك المصرى فى هذا المجال، وقامت كل من الأردن والعراق اللتين كانتا تشتركان مع مصر واليمن فى مجلس التعاون العربى بجهود بارزة فى سبيل عودة الجامعة العربية لمصر وطرحتا الموضوع للنقاش وحصلتا على توافق عربى بهذا الخصوص، وفى مارس ٩٠ عقد مجلس وزراء خارجية العرب دورته الـ٩٣ فى تونس، وكان موقف الوفد المصرى الذى ترأسه د. عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية آنذاك يتلخص فى أن مصر ترى ضرورة عودة الأمانة العامة إلى مقرها الدائم احتراماً لميثاق الجامعة.