مشروع «حملة فيروس سى» من المشروعات التى تستحق التوقف أمامها والتفكير فيها. فوضعاً فى الاعتبار القيمة الإنسانية والصحية الكبيرة له، خصوصاً بالنسبة للأجيال الجديدة، فإن ثمة زاوية أخرى قد تزيد فى أهميتها على هذه القيمة، تتمثل فى «إحساس المواطن به». فهذا المشروع الإنسانى الكبير من المشروعات القليلة التى مست حياة المواطن ووصلت إليه حيث يوجد منذ عدة سنوات. وظنى أن هذه الزاوية تحتاج المزيد من التأمل من جانب صناع القرار.
المواطن بطبيعته يكترث بالدرجة الأكبر بالمشروعات والقرارات التى تمس حياته مساً مباشراً، مثل مشروع طرق الأبواب لاكتشاف فيروس سى وعلاجه. يتشابه هذا المشروع مع بعض المشروعات التى قام بها الرئيس جمال عبدالناصر وحقق من خلالها شعبية جارفة، ولم تزل هذه الشعبية متواصلة لدى الكثيرين حتى الآن. فسواء اتفقت أو اختلفت مع مشروعات الإصلاح الزراعى وقوانين يوليو الاشتراكية ومجانية التعليم وغيرها، فإن تلك المشروعات هى التى منحت النظام الناصرى وجهه الشعبى، لأنها ببساطة صبت بشكل حقيقى فى حياة المواطن اليومية. وذلك ما يريده الناس.
ليس معنى الاهتمام بالمشروعات والقرارات التى تمس حياة الناس ومعيشتهم إهمال المشروعات القومية التى تصب فى مستقبل الوطن والمواطن، فالمواطن بحاجة إلى أن يشعر بتحسن فى أحواله الحاضرة، كما هو بحاجة إلى تعلم التفكير فى المستقبل والعمل له من اليوم. التوازن فى كل الأحوال مطلوب، وليس من الوارد أن تجد شعباً يحتكم إلى قيم عقلانية أو مثالية محضة وهو يفكر فى معيشته الحالية ليتسامى عليها أملاً فى مستقبل أكثر إشراقاً. التركيز فى الحاضر وحده من أجل حل المشكلات الحياتية اليومية يضيع المستقبل، والالتفات إلى المستقبل بمفرده يربك الإنسان ويفقده القدرة على التركيز فى العمل من أجل المقبل.
فى دنيا الإعلام هناك درس شائع يدور حول ثنائية «الفائدة العاجلة والفائدة الآجلة». فالإعلامى مُطالب بالتوازن فى أجندة المعالجات التى يقدمها للجمهور، فيمزج بين أخبار وقصص تتعلق بمشروعات وقرارات فائدتها عاجلة بالنسبة للمواطن، وأخرى تحمل فوائد آجلة أو على المدى الطويل بالنسبة له. استغراق الإعلام فيما هو عاجل يفقده القدرة على لعب دور فى تنمية المجتمع، واستغراقه فيما هو آجل يعنى ببساطة خروجه من الخدمة اليومية للمواطن، وانصراف الجمهور عنه. ولا بد من الالتفات هنا إلى أن الواقع يعلو فى كل الأحوال على ما يقدمه الإعلام، فحجم الاهتمام الذى أولاه الإعلام لحملة فيروس سى لا يتناسب فى تقديرى مع أهميتها، ورغم ذلك فإن كل الناس شعرت بها، لأن كلمة الواقع تسبق كلمة الإعلام، والرسالة المباشرة تتفوق فى تأثيرها على الرسالة غير المباشرة.
مسألة التوازن بين ما هو عاجل أو آجل الأثر فى حياة الناس تستحق التفكير، ومعادلة التوازن بين الاهتمام بالأمرين يمكن أن تعدل المزاج العام للأداء فى مصر، سواء قصدنا بذلك الأداء السياسى أو الاقتصادى أو الإعلامى، أو حتى المزاج الشعبى.