حدث فى مايو 1971.. يقول الساداتيون: «ثورة».. والناصريون: «مؤامرة».. وتقول مصر: «مين فرعنك؟»
شرف والسعدنب وفايق
فى السابع من أكتوبر عام 1970، أعلن الرئيس محمد أنور السادات أمام البرلمان، بعد توليه الرئاسة خلفاً للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، عزمه استكمال الطريق الذى بدأه سابقه، لكنه اختلف سريعاً مع أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، وبدا أن قيادات التيار «الناصرى» فى الحكومة يعيقون عمل الرئيس الجديد الذى انحرف فى سياسته الداخلية والخارجية عن سابقه، وبدأت الخلافات بين السادات وبينهم، وعلى رأسهم على صبرى نائب رئيس الجمهورية بسبب مبادرة السادات لتمديد وقف إطلاق النار مع إسرائيل بعد انتهاء المدة التى أقرتها مبادرة «روجروز» فى السابع من فبراير عام 1971، حيث كان يرى أن التأجيل لمزيد من التجهيز، فيما يرى الجناح الآخر ضرورة شن عمل عسكرى عاجل ضد إسرائيل، ونشب خلاف آخر أشد قوة، بسبب محادثات «السادات» الثلاثية مع سوريا وليبيا لإعلان الوحدة بين الدول الثلاث عام 1971، وواجه «السادات» انتقادات عنيفة من أعضاء هذا الجناح الذين تفاجأوا بقرار الوحدة.
وشن الطرفان حرباً تجسسية على هواتف بعضهم البعض، وأحبط «السادات» محاولة انقلاب ضده، وتمكّن من ملء الفراغ الذى سببه أعضاء هذا الجناح بالاستقالات الجماعية من الحكومة بغرض إحداث فراغ دستورى فى 13 مايو من ذات العام، ونجح فى اليوم التالى فى تشكيل حكومة جديدة، واندلعت موجة محاكمات، كان على رأسها على صبرى نائب الرئيس، وشعراوى جمعة وزير الداخلية، ومحمد فايق وزير الإعلام، ومحمد لبيب شقير رئيس البرلمان، وسامى شرف سكرتير الرئيس، وكانت محاكمات استثنائية، ومعهم عدد من قيادات الصف الثانى وأتباع الناصرية من الشخصيات العامة.
أكرم السعدنى: والدى كان الصحفى الوحيد فى القضية بسبب كتاباته الساخرة وموقفه المؤيد للناصرية.. والقذافى توسط لديه فقال له: «حقرص ودانه لأنه قليل الأدب.. ده اتكلم عن جماعتى يا معمر»
استطاعت «الوطن» الحصول على شهادات ممن كانوا على صلة بالأحداث ومن أساتذة التاريخ المتابعين عبر الروايات والشهادات التاريخية. وقال أكرم السعدنى، نجل الكاتب الساخر محمود السعدنى، الذى تم اعتقاله عامين خلال أحداث ثورة التصحيح عام 1971، إن أحداث 15 مايو لا يمكن وصفها بكونها ثورة لأن الثورة تنتفض من الأسفل إلى الأعلى لتغير أوضاعاً وفق أهداف شعبية، وليست تأتى من الأعلى للأسفل من الرئيس نفسه، مشيراً إلى أن والده كان يطلق على أحداث 15 مايو «عورة 15 مايو»، وأنه كان الصحفى الوحيد بالقضية وتم اعتقاله بسبب كتاباته الساخرة وموقفه المؤيد للناصرية.
وأضاف أن والده كان يعرف السادات منذ كان ضابطاً صغيراً هارباً من السجن، وتوقع أن يكون رئيساً لمصر، وأن السادات خفف الحكم الذى أصدره المدعى العام الاشتراكى ضد والده من 5 سنوات إلى سنتين فقط، وقال إن العقيد الليبى معمر القذافى تدخل للتخفيف عن والده، لكن السادات قال لـ«القذافى»: «حقرص ودانه لأنه قليل الأدب، ده اتكلم عن جماعتى يا معمر». وذكر «السعدنى» أنه فور خروج والده من السجن كتب مقالاً يحيى فيه الجيش المصرى، لكنه لم ينشر فى الصحف القومية الثلاث، الأهرام والأخبار والجمهورية، وتابع: «حاول موسى صبرى، رئيس تحرير صحيفة الأخبار، نشره لكنه فشل، وكلم وزير الثقافة يوسف السباعى والدى وقال له يا محمود مشكلتك مش معانا دى مع الريس شخصياً، شوف حل مع الريس، فرد عليه والدى قائلاً أنا بحيى الجيش المصرى كمان حتحرمونى أحيى جيش بلدى». وأشار إلى أن والده غادر مصر وتنقل ما بين إنجلترا وعدة دول عربية إلى أن توفى السادات ثم عاد إلى مصر مرة أخرى.
محمد عفيفى: كان يلعب بالألفاظ.. ولا يمكن وصف ما حدث فى 15 مايو بأنه «ثورة».. لكن ماذا نقول؟ التاريخ مع الأسف يكتبه المنتصرون
ومن جهته، قال الدكتور محمد عفيفى، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن كلمة ثورة تُستخدم كتعبير مجازى واسع، وتطلق على أى شىء، حيث يقال الثورة الخضراء، وثورة 15 مايو، وثورة التصحيح، وغيرها من الأحداث التى أطلق عليها مصطلح ثورة، والثورة ليست بالضرورة شيئاً جيداً أو صحيحاً، وما جرى فى 15 مايو صراع بين قوى وتيارات سياسية لا يمكن تسميته «ثورة».
وعلق على استخدام كلمة «ثورة» بأن المنتصر دائماً هو من يكتب التاريخ ويطلق الألقاب كما يريد، وأن الصراع كان حتمياً حتى قبل أن يكون السادات رئيساً للجمهورية حيث كان هناك عدم وفاق بين السادات وشعراوى جمعة، وأن السادات كان ذكياً فى استخدام الألفاظ والمصطلحات والتعبيرات، ولكن الأحداث زادت من الصراع بين اليسار والسادات، ووضح هذا بشكل كبير فى مظاهرات الطلبة عام 1972، كما ظهر بشكل أكبر فى انتفاضة يناير عام 1977، مضيفاً أن ما بقى من هذا الصراع واسمه هو كوبرى ومدينة 15 مايو.
وأضاف «عفيفى» أن الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل كان مهندس عملية 15 مايو، لأنه اتفق مع السادات على الصدام مع فريق على صبرى وشعراوى جمعة، وأنه كان المُنظّر والذى أدار المسألة مع السادات، معلقاً: «هيكل كان فاهم إزاى يتعامل مع محمد فوزى وشعراوى جمعة، ومفيش حاجة فى القضية تفاصيلها مخفية، الكل حكى، وهيكل نفسه حكى تفاصيل العملية، والجناح الآخر، سواء محمد فايق أو سامى شرف، كله حكى، وكان واضح جداً إنه صراع تيارات داخل القصر، وليس له علاقة بعبدالناصر أو أنصاره، لأن الجميع كانوا مع عبدالناصر ورجاله».
وقال الدكتور عبدالمنعم الجميعى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الفيوم، إن ثورة التصحيح كانت محاولة لوأد من يتطلعون للاستيلاء على السلطة، بحجة أنهم ورثة عبدالناصر، ولكن السادات كان الأسرع والأذكى وامتلك مقومات جعلته يصل قبل بقية مراكز القوى الناصرية، مشيراً إلى أن هناك من أوحوا إليه بوجود المؤامرة قبل تنفيذها أساساً من أجل مصالح شخصية وتصفية حسابات، وكان من بينهم الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل -حسب قوله- وظن أنه بعد أن يتخلص من مراكز القوى سيكون السادات شخصية سهلة يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها، لكنه اكتشف بعد ذلك أنه سار فى الطريق الخطأ بوقوفه إلى جوار السادات.
ومن جانبها، أوضحت الدكتورة زبيدة عطالله، الأستاذة بقسم التاريخ كلية الآداب جامعة حلوان، أن مراكز القوى كانت تظن أن السادات ذو شخصية ضعيفة ويسهل التخلص منه وإزالته عن الساحة وقتما أرادوا لأنهم كانوا متمكنين من كل الأجهزة فى الدولة، جيش وشرطة وإعلام وغيرها من الأجهزة المهمة فى الدولة، حتى إنهم أطلقوا عليه بعض النكات وأنه مثل الساعة لا يقدم ولا يؤخر، ونشروا هذه النكات فى الشارع المصرى حتى تتردد وتنتشر ويوحوا للشعب بأنه شخصية ضعيفة لن يحقق أى أهداف وطنية، تمهيداً لإزاحته.