يهوى البعض تقديم أنفسهم وكأنهم وكلاء الله فى الأرض، قد يظهرون فى شكل جماعات أو أفراد، يرون فى أنفسهم حُماة للدين وفرساناً تذود عن حياضه. الجماعات الإسلامية تضع نفسها فى هذه الصورة، صورة حامى حِمى الدين، والمدافع عنه فى الأرض، وهناك أيضاً أفراد يصرخون فى وجه الجموع ويرددون أن ما أصابهم من نَصَب أو وَصَب مرده دفاعهم عن الدين!. التجربة تقول إن أغلب مَن يرفعون شعار الدفاع عن الدين كوكيل للمولى -عز وجل- على الأرض ما هم إلا مجموعة من التجار الأفَّاقين الذين يستهدفون خداع الشعوب، يستوى فى ذلك كبيرهم مع صغيرهم.
«كل ما تتزنق تحدَّث عن دفاعك عن الدين».. هذه قاعدة أساسية من القواعد التى تحكم محترفى التجارة بالسماء. فبعد أن يهينوا وضع الإنسان على الأرض ويحرموه ويعنتوه ويدفعوا به إلى غول الجوع والمعاناة، ما يؤدى به إلى الضجر والتململ والصراخ فى وجوههم تجدهم يسارعون إلى استدعاء السماء، فيرددون فى مواجهة الغاضبين مجموعة من الشعارات من فصيلة: «ما نحن فيه سببه أننا لم نركع إلا لله.. إنهم يحاصروننا لأننا ندافع عن الدين.. لن نقايض على ديننا بالقمح والدولار». أحدهم لم يكتفِ بذلك، بل أخذ يردد وسط مجموعة من المحاسيب النشيد الإخوانى الشهير: «فى سبيل لله قُمنا نبتغى رفع اللواء.. لا لحزب قد عملنا.. نحن للدين فداء.. فليعُد للدين مجده أو تُرَق منا الدماء». كان المشهد شديد الكوميدية. إنه يريد أن يسكّن بطون الجوعى بترديد كلام أجوف لا معنى له. الصغار الجائعون لن يناموا إذا ما هدهدتهم الأمهات على وقع هذا النشيد. ومشكلات الناس لن تحل بمجموعة من الشعارات التى ترددها الحناجر المأجورة.
الله تعالى فى غِنى عن البشر «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ واللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ». الله تعالى غَنىّ عن محامين يدافعون عنه، والدين ليس بحاجة لمن ينافح عنه. العكس هو الصحيح «إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ». بدلاً من الثرثرة بالكلام عن الدفاع عن الدين أَوْلى بالمرء أن يجتهد فى حل مشكلاته على الأرض، أَوْلى به أن يخضع لمن يرعى شئونه وأموره، بدلاً من تبرير فشله بأحاديث فارغة عن حصار الآخرين له، وأن كل المشكلات مصدرها رفض الركوع لهم، فى حين يبصره الجميع يركع لكل مَن هبَّ ودبَّ. الله تعالى يرضى عن الإنسان القادر على إحسان الأداء وإتقان العمل وهو الذى يدافع عنه ويحمى اجتهاده ويهيئ له الظروف التى تؤدى إلى نجاحه «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ».
نفاق السماء أحط أنواع النفاق، ومَن يمارس هذا النوع من النفاق هو أفشل خلق الله، لأنك يمكن أن تخدع غيرك لبعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تفعل ذلك طول الوقت، لأن الناس تتعلم. فإذا كان وضع البشر كذلك، فما بالك بخالق البشر الذى يعلم خائنة الأعين وما تُخفى الصدور؟.