خلال السنوات الأربع الماضية تشرفت بالعمل متحدثاً إعلامياً أكثر من مرة.. وتعلمت خلال هذه الفترة دروساً كثيرة ربما من الممكن تقديمها كوجهة نظر فى طبيعة هذه المهمة الصعبة:
1- لا ينطلق بيان مهمة المتحدث الرسمى من اسم وظيفته، فمهمته الرئيسية ليست التحدث ذاته وإنما ضبط الخطاب الإعلامى للمؤسسة، فالتحدث الإعلامى إحدى وسائل هذا الضبط وليس كلها، فيمكن للمتحدث فى لحظة ما أن يمتنع عن التعليق أو أن يُخرج نصف المعلومة مثلاً.
2- لا يدير المتحدث الرسمى لأى مؤسسة ملفاً إعلامياً بحتاً بل ملف إعلام سياسى، والسياسة هى التى تطغى عليه، وبالتالى فالمقاربة الأدق للتعامل مع القضايا هى المواءمة السياسية وليست الموضوعية الإعلامية.
3- الوقت الأمثل لظهور المتحدث الرسمى هو وقت الأزمات، حيث يجب أن يكون هو وحده نقطة الالتقاء مع أى هجوم على المؤسسة.. أما فى الأوقات العادية فمن المفضل أن تكون أخبار نجاحات المؤسسة على لسان أصحابها، مع مراعاة تنظيم الظهور الإعلامى لأفراد المؤسسة كى لا يتسبب وجودهم العشوائى وغير المنضبط فى تخليق صورة ذهنية متعددة وهذا غير مرغوب.. عموماً فإن المتحدث الرسمى دوره هو إبراز جهود المؤسسة وليس تلميع المسئول.
4- الحديث لكل الوسائل مهم، لكن علينا التفريق بين وسائل الإعلام المعارضة، وهذه لها كل الحق فى الحصول على نصيبها من عمليات التواصل، وبين وسائل الإعلام المعادية والممولة من قوى غير صديقة، والتى يُعد التواصل معها درجة من درجات الخيانة.
5- كلمة واحدة غير واضحة ستتسبب للمؤسسة فى مشاكل كبيرة، وكلمة واحدة عادية قد تُحدث الأثر نفسه! فمواقع التواصل الاجتماعى ومروجو الشائعات وتجار اليأس وسماسرة الإحباط لا يعنيهم مدى موضوعية المحتوى، بل يحاولون طوال الوقت ضرب المؤسسات من اجتزاء كلام مسئوليها، ولذلك فالحرص ليس مطلوباً فحسب بل هو فرض عين لا بديل عنه، ومراعاة الأبعاد السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها هى أشياء لا تعبر عن ترف بل عن حتمية.
6- بجانب المظهر اللائق والبشاشة والثقافة والحضور والفصاحة فى الكلام والبلاغة فى الكتابة وغيرها، فإن سُمعة المتحدث الإعلامى هى رأسماله، والقبول الشعبى له هو كنزه، فوجود صورة ذهنية سلبية أو صورة نمطية سيئة عن المتحدث ستنعكس بالضرورة على المؤسسة التى تستعين به.
7- مع مراعاة فكرة السرية، فإن أسوأ ما قد يواجه المتحدث الرسمى هو أن تغيب عنه المعلومة إذا لم يتعاون مسئولو المؤسسة معه، وقتها هم يفعلون كمن ترك شخصاً عارياً فى غرفة مظلمة!
8- كثيراً ما سيتعرض أى متحدث إعلامى لمشكلات مع الصحافة المكتوبة تحديداً، فأخبار كثيرة ستكون مقتطعة من سياقاتها وغير دقيقة، وعبارات عديدة ستُنسب له دون أن ينطقها، وهو ما سيستلزم عمليات نفى.
9- سيعانى أى متحدث رسمى من عدة محاولات ابتزاز إعلامى من شبكات مصالح معينة وأصحاب أجندات محددة، وهنا يكون نجاحه فى تخطى تلك الصغائر مرهوناً ومرتبطاً طردياً بمدى فهم ووعى وثقافة رأس المؤسسة.