هل نريد حقاً أن نحارب الفساد؟ حسناً.. الفساد ليس هو فقط تلقى الرشاوى والعمولات والتلاعب فى المناقصات.. وليس هو فقط انعدام كفاءة البعض ما يؤدى لخسائر جراء توليهم المسئولية، هناك نوع آخر من أنواع الفساد يبرع فيه المصريون ويتفشى فى أوساط النخبة المصرية، وللحق والحقيقة فقد فشا فى آخر عشر سنوات من عصر مبارك حتى كاد يصبح هو القاعدة وما عداه هو الاستثناء.. هذا النوع من الفساد هو الشللية.. فى الإعلام والثقافة والبيزنس والفن أصبحت القاعدة هى الشللية، لا بد أن تكون فرداً فى شلة، بدون شلة فإن فرصك قليلة، وأعداءك كثيرون، وطريقك مقطوع، ورزقك ضيق.. بدون شلة لن يحتفى بك أحد ولو كنت تستحق الاحتفاء، لن يساندك أحد ولو كنت تستحق المساندة، مهما كنت كفؤاً فلن تنال ما تستحق، لأن الفرصة لا بد أن تذهب لواحد من (الشلة).
الشلة هى أقوى تنظيم اجتماعى فى مصر خلال العشرين عاماً الأخيرة، أقوى من العائلة، وأقوى من التنظيمات السياسية والنقابية، فى جوهر الأمر الشلة ميليشيا مسلحة وإن لم تكن تحمل الأسلحة النارية، وجودها دليل على أننا كمجتمع ومنذ سنوات طويلة نعيش فى حالة حرب أهلية، حالة الحرب هذه استدعت أن ينتظم المتقاتلون فى ميليشيات منظمة، لكل منها قائد هو زعيم الشلة أو كبيرها، يليه فى الترتيب آخرون من أعضاء الشلة لهم نفوذ أقل ومكاسب معلومة، أما فى المرتبة الثالثة فيأتى الخدم ولهم دور فى نشر الشائعات وتشويه الخصوم وتنفيذ التكليفات، الشلة قد تكون على أساس فكرى سياسى، وقد تكون على أساس الانتماء لكلية معينة أو لدفعة معينة فى الجامعة، وهى فى حالات كثيرة تكون عابرة للانتماءات السياسية، فبعض أفرادها قد يكونون فى مواقع التأييد وبعضهم الآخر يدعى المعارضة، والطرفان يحكمهما قانون دائم هو تبادل الخدمات والمصالح فى المواقع المختلفة، وقد يدعى بعض أفراد هذه الشلل أنهم يقاومون الفساد فى حين أن الشللية التى هى دينهم الأصلى هى أقوى أنواع الفساد.. والحق أنه إذا كنّا نريد أن نبنى مجتمعاً جديداً خالياً من أدران الماضى وتراكماته فلا بديل عن ضرب شلل المصالح فى كل المجالات، وبدون هذا فإننا نحرث فى البحر.