«موسى» يحارب قسوة البرد على رصيف السيدة زينب: «الدنيا غدارة وما تآمِنش لحد حتى لو كان مراتك»
«موسى» فى فرشته بالسيدة زينب
يرتجف من البرد ولا مفرَّ من الهروب منه، يضع يديه فى جيوبه لتدب الروح فى أطرافه المتجمدة، ينام منكمشاً فى وضع القرفصاء، ويستيقظ بمجرد طلوع النهار بسبب ضوء الشمس الذى يدخل عليه بلا استئذان، لا يملك موسى قرنى، 57 عاماً، من الحياة سوى سرير صغير مسنود على حائط فى أول شارع إسماعيل أبوجبل بالسيدة زينب، وكرسى متحرك وكيس كبير يتبول فيه.
ملابسه شديدة الاتساخ، تخفى أسفلها قدماً مبتورة بسبب مرض السكر، رائحته تزداد سوءاً كلما مرت عليه الأيام لكنه اعتاد عليها، لا يشعر بها بحكم جلوسه طوال اليوم فى المكان نفسه، ينظر ببراءة شديدة وهو يردد: «أنا بقالى هنا يمكن سنتين وأكتر، بنام وأصحى هنا، رِجلى مقطوعة ما أقدرش أروح هنا ولا هنا».
يخجل بشدة من سؤاله عن البرد، بطيبة شديدة يغلفها حزن عميق، يرد وهو يخفض رأسه إلى الأرض: «بصراحة بردان، بس هعمل إيه؟ الحمد لله». يواجه «موسى» مشكلة كبيرة عندما يريد الذهاب للحمام: «مش بعرف أروح، أحياناً بتبول فى كيس وأحطه جنبى، وأحياناً مش بلحق، وبتبول على نفسى».
لدى «موسى» 3 بنات وولد، وفى حال سؤاله عنهم، يرد: «همّا كارفينى وكارهينى، لكن بيسألوا عنى من بعيد لبعيد كل فترة، عارفين إنى قاعد هنا ولوحدى». قبل المرض، كان «موسى» يبيع لحمة رأس على عربة، ما زالت موجودة فى الشارع، بينما هو أصبح قعيداً لا يتحرك: «الرزق اتقطع زى رِجلى، وزى أهلى ما بعدوا، أنا باعتبر نفسى لا خلّفت ولا اتجوزت، وماليش غير ربنا سبحانه وتعالى».
بعد أزمته الصحية، ووفقاً لقوله تركته زوجته فطلقها: «الدنيا مفيش منها فايدة، غدارة زى المطر اللى بيستقوى على الضعيف وبتدارى منه وأغطى نفسى وأهرب، لكن بارتعش من البرد».