الأطفال انشغلوا بألعاب وسائل التواصل على حساب القراءة.. لا أم فاضية ولا جدة فاكرينها.. مفيش «كان ياما كان»
شيماء
يحل الليل فيتأهب الصغار لحكايات الجدة، يندفعون فى أحضانها، يغمضون أعينهم وهم يتخيلون أنفسهم أحد أبطال القصص الأسطورية التى تحكيها، بين العبارتين «كان ياما كان» و«توتة توتة فرغت الحدوتة»، قصص وحكايات كثيرة تحمل مضامين هادفة، تعاليم تربوية وقيماً وسلوكيات لا يدركها إلا من نشأ عليها، الآن ومع دخول عصر الحياة السريعة، اختفت الحدوتة بشكلها القديم وحلت محلها أفلام الكارتون وفيديوهات اليوتيوب، أما الجدة فلم تعد تقوم بهذا الدور الذى كانت تمارسه كجزء من تربية النشء والتأثير فيه وانشغل عنها الجميع وعن زيارتها، كما حال انشغال الأم بعملها وكثرة أعبائها المنزلية، دون الاهتمام بالحدوتة كقيمة تربوية.
الشاطر حسن وأمنا الغولة والذئب والخرفان، حكايات ربطت بين الأطفال والجدات فى إطار عائلى خاص جداً، عاشته شيماء عبدالعال، 33 سنة، فحتى الآن لا تزال تتذكر صوت جدتها الممتلئ بالحنان، وطريقتها فى إلقاء الحواديت، حيث كانت تجمع أحفاد العائلة حولها، وهو ما دفعها لتكرار هذه التجربة مع ابنتها «سلمى»: «جدتى كانت بتلمنا حواليها وتقعد تحكى لنا قصص وحواديت بعضها كان منقول من التراث زى أمنا الغولة والشاطر حسن، والبعض الآخر كانت هى اللى بتنسجه من وحى خيالها»، «الذئب والخراف السبعة» تعد هى القصة التى أثرت تفكير «شيماء» حينها: «كنت باحبها جداً وبافتكر لحد دلوقتى الطريقة اللى كانت جدتى بتحكيها بيها ودلوقتى أنا باحكيها لبنتى».
تفتقد «شيماء» حكايات الجدة ولا تجد لها مماثلاً فى حياتنا الآن، فأغلب الأطفال لم يعودوا مرتبطين بالجد أو الجدة، وانشغلوا بألعاب وسائل التواصل الحديثة على حساب القراءة وسماع القصص: «كل طفل ماسك تليفونه بيلعب وبيتفرج على حاجات مالهاش علاقة بالتربية اللى إحنا اتربينا عليها، لكن أنا باحاول أقوم بنفس الدور مع بنتى». ما زال صوت جدتها يتردد فى آذانها: «أنا لسه فاكرة الحكايات اللى معظمها كان بيدور حول الصراع بين الخير والشر، ودايماً اللى كان بينتصر فيها الخير، حكايات كانت تخلينا ننام وإحنا سعداء ومبسوطين»، مؤكدة أنها تؤلف قصصاً شبيهة لحواديت جدتها وتحكيها لابنتها: «طول الوقت بحاول أطلع قصص من وحى الحياة المعاصرة لكن بطريقة زمان ويكون فيها معانى جميلة تساعد فى تربيتهم بطريقة صحيحة».
تربت إكرام يوسف، 64 عاماً، على سماع الحواديت من جدتها: «إحنا الجيل اللى كانت متعته الوحيدة هو إنه يسمع قصة أو حدوتة قبل النوم ووقت العصارى»، تتذكر تلك الأوقات: «باقعد كده أفتكر أيام زمان كنت بحب حكاية الشاطر حسن وألف ليلة وليلة، كل يوم حدوتة مختلفة بتحكيها والدتى بصوت شهرزاد ليا ولإخواتى كنت بكون مستمتعة جداً بالحالة دى». يرى الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن قراءة الحدوتة على الطفل قبل النوم كانت تمنحه الإحساس بالهدوء والراحة، ليس لمحتواها فقط ولكن لأنها كانت تربطه بجدته أو والدته: «بتعمل للطفل حالة من الاسترخاء الذهنى علاوة على الارتباط بالأم والجدة، الطفل بيسمع أى حاجة منهم وبيصدقها خاصة والدته لأنها مصدر ثقة بالنسبة له»، وبحسب «هانى» فإن احتضان الطفل لمدة 10 دقائق خلال فترة رواية القصص مهمة جداً: «بتدى طاقة إيجابية للطفل وبتخليه مطمئن».