الباب فى الباب.. ومع ذلك «انت فى حالك وأنا فى حالى».. ولا حتى «صباح الخير يا جارى»
سحر محمد
باتت مقولة «الجار قبل الدار» ضرباً من الماضى وأصبحت اليوم لا تمثل أهمية كبيرة لدى الأشخاص، ففى السابق كانت العلاقات بين الجيران مبنية على التكاتف والألفة والتراحم فيما بينهم، عملاً بتلك الوصية الخالدة التى أوصى بها سيدنا جبريل النبى الكريم ولم تكن كغيرها من الوصايا بل فاقتها فى الأهمية، حيث قال المصطفى بصيغة المبالغة «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» دلالة على مكانة الجار العظيمة فى الإسلام، أما اليوم فتغيرت الأحوال وأصبحت العلاقة بينهم تتلخص فى هذه العبارة «صباح الخير يا جارى انت فى حالك وأنا فى حالى».
6 سنوات قضاها مصطفى محمود طالباً ومعيداً فى كلية الإعلام بمدينة الثقافة والعلوم بمدينة 6 أكتوبر مغترباً عن أهله ومسقط رأسه بمركز أطفيح التابع لمحافظة الجيزة، حيث اضطر مصطفى إلى تأجير إحدى الشقق السكنية داخل إحدى العقارات المكتظة بالسكان بمدينة 6 أكتوبر على اختلافهم، سواء أسر أو شباب مثله، جاءوا إلى العاصمة الصاخبة لذات الغرض الذى جاء من أجله أو للعمل، ربما لم يعلم المعيد العشرينى أن الحال فى المدينة ليس كما هو فى قريته، فالجيران هنا لا أحد يكترث لأمر الآخر، «مابشوفش جيرانى غير فى صلاة الجمعة بس، ومرة شقتى اتسرقت ومحدش سأل فيّا» بهذه الكلمات بدأ مصطفى سرد معاناته فى التعامل مع جيرانه، فبعد تعرضه لعملية السرقة التى فقد خلالها اللاب توب الخاص به وبعض متعلقاته الشخصية ومبلغاً كبيراً من المال لم يجد مساندة من جيرانه، ورغم علمهم بأمر السرقة إلا أن أحداً لم يعرض عليه المساعدة أو التخفيف عنه، يقول «لما رجعت من بره ولقيت حاجتى مسروقة طلعت خبطت على جارى اللى فوق وبعد كتير رد ولما سألته اتضايق وقالى معرفش حاجة وقفل الباب على طول، ومحاولش حتى يقولى أى كلمتين وهو شايفنى منهار وماليش حد هنا»، لم يتمالك الشاب نفسه وأخذ يبكى، أثناء استكماله للواقعة «يعنى كنت بسلم عليهم لما بشوفهم فى الشارع وكانوا بيردوا وهما مستغربين عشان بسلم واحنا مانعرفش بعض وكنت بقول عادى لكن تكون عندى مصيبة ومحدش يساعدنى ماتوقعتش إنها توصل لكده»، لم يكن هذا الموقف الوحيد الذى مر به مصطفى ورفاقه فى السكن من جفاء فى التعامل، حيث إن موتور المياه الذى يغذى الشقة مشترك بينه وبين جاره الذى يسكن فى الشقة المقابلة له إلا أن الجار «العنيف»، كما يسميه لا يقوم بفتح الموتور سوى لاستعماله الشخصى فقط «الزرار بتاع الموتور عنده وكنت بقوله يفتحه عشان أقدر أطبخ وأغسل قعد يومين فعلاً يفتحه وهو متأفف وبعدين بقى يقفله لما يخلص حاجته ومهما خبطت وناديت عليه مش بيرد عليّا وبقاله تلات أيام قاطع الميه علينا عشان لما بنرجع بالليل بيكونوا ناموا ومابنلاقيش ميه»، لا يجد مصطفى مبرراً منطقياً لتصرفاتهم القاسية تجاه بعضهم وليس معه فقط، ولكنه يعزو حالة العزلة التى بات الجميع يمارسها إلى انتشار التكنولوجيا التى جعلته يقضى وقته كاملاً أمام شاشة الكمبيوتر أو «الموبايل»، الأمر الذى جعل الكثير لا يهتم ببناء علاقات صداقة والاكتفاء بالشاشة الصغيرة أنيساً له «فى القرى برضه فيه تكنولوجيا بس مش زى القاهرة وأعتقد ده السبب والفرق فى العلاقة بين الجيران فى القرية وفى المدينة».
«مصطفى»: لما شقتى اتسرقت محدش وقف معايا.. «سحر»: انتشار التكنولوجيا أضعف العلاقات و«حنان»: قطعت علاقتى بهم بسبب الغيرة
لم يختلف الوضع كثيراً لدى سحر محمد، حيث تقول إنه فى الماضى كان الجيران يشدون من أزر بعضهم سواء فى الأفراح أو المآتم أما الآن فقد اختلف الوضع كثيراً، فأصبحت مراعاة مشاعر الآخرين ممن يقطنون فى الشارع أو البناية ذاتها لا يشكل أهمية عند البعض «يعنى زمان كان مستحيل نشوف المنظر ده ولما بيكون فيه ميت كانت الناس بتراعى بعضها لدرجة تخليهم ميفتحوش التليفزيون فى البيت وممكن أصلاً يكون العزاء بعدهم بشارع مش بس معاهم فى نفس العمارة»، وعن اختفاء مظاهر الألفة والمحبة والتواصل والترابط بين الجيران تقول «سحر» صاحبة الـ42 عاماً إن ضغوط الحياة ومشاكلها تلعب دوراً أساسياً فى تقصير أفراد الأسرة الواحدة فى السؤال عن بعضهم «فما بالك بقى بالجيران»، مؤكدة أن كثيراً من الأشخاص رغم كون أبواب منازلهم مقابلة لبعض إلا أن العلاقة بينهم لا تتعدى السلام فقط، معللة ذلك بأن بعض الأفراد يرون أن اختلاط وتداخل الوالدين مع جيرانهم وبالتالى يتبعه ذلك مع الأبناء وهو الأمر الذى يخشاه الكثيرون بسبب بعض الصفات السيئة التى يلتقطها الأطفال من أقرانهم، ولذلك يفضلون اقتصار العلاقة على أمور معينة قدر المستطاع «ورغم كده أنا مش شايفة إن ده صح، مينفعش الناس تقفل على نفسها بالحجج دى»، مشيرة إلى أن استخدام قطاع كبير من الأشخاص للتكنولوجيا وانتشار تطبيقات التواصل الاجتماعى كـ«الواتساب والفيس بوك» جعل الكثيرين يتواصلون عن طريقها دون الحاجة إلى مقابلة بعضهم، ما أضعف العلاقة بين سكان المكان الواحد «الناس دلوقتى بقت بتستسهل كل حاجة لدرجة إنهم بقوا بيعزوا بعض على الواتساب».
لم تكن تجربة حنان عبدالهادى فى التواصل مع جيرانها كسابقتها، حيث حرصت حنان، التى تقطن بمنطقة الشيخ زايد التابعة لمحافظة الجيزة منذ اليوم الأول لقدومها إلى المنطقة تاركة سكنها القديم بأحد الأحياء الشعبية بمحافظة القاهرة، على التواصل مع جيرانها فى العمارة بشكل دائم «أنا كنت من سكان منطقة شعبية وأنا صغيرة ولما اتجوزت فضلت برضه عايشة فيها فترة كبيرة، يعنى كبرت واتربيت إن الجيران دول أهلى وعشان كده حبيت أطبق ده مع الناس الجديدة اللى هسكن معاها»، تقول السيدة الثلاثينية إنها لاقت فى البداية ترحاباً كبيراً من السكان الذين كانوا لا يعرفون بعضهم رغم إقامتهم فى العقار الذى يضم 20 شقة منذ مدة طويلة، وتضيف: «اتفاجئت لما عرفت إنهم حتى ماكانوش بيبعتوا لبعض طبق من أى صنف بيعملوه فى رمضان، إزاى والطبق عندنا كان طول النهار طالع عند جيرانا أو نازل من عندهم»، وزادت روابط العلاقة الطيبة بين الجيران إلى أن قاموا بتخصيص مبلغ شهرى بسيط «20» جنيهاً يقومون بوضعه داخل صندوق وأصبحت السيدة الثلاثينية مسئولة عنه «كنا عاملين الصندوق ده عشان لو فى أى صيانة فى العمارة سواء لمبة أو مجارى أو أى حاجة كنا بناخد الفلوس دى ونعمل بيها أى حاجه ناقصة، أو مثلاً لو فيه عيد ميلاد حد كنا بنجيبله هدية أو تورتة من الفلوس دى»، تشير حنان إلى أنها أصبحت محبوبة بين جيرانها وقامت بتخصيص ركن للألعاب داخل منزلها وتقوم باستضافة أطفال العقار ليشاركوا أبناءها «عندى ولد سنتين وبنت 8 سنين» اللعب والمرح، لم ينغص تجربة حنان الناجحة فى التعامل مع جيرانها سوى بعض النفوس المريضة، على حد قولها، التى من شدة غيرتها من جارتها قامت بنقل بعض المواقف وافتعال أحاديث ليس لها أساس من الصحة «بقيت بتفاجئ إن فيه حد جاى يقول دى فلانة بتقول إنك قولتى كذا أو عملتى كذا، وبعد شوية لقيت الموضوع ده بيتكرر وناس كتير جاية تقولى اللى جارتى بتنقله على لسانى»، لتقرر بعدها السيدة تحجيم علاقتها مع جيرانها دون استثناء وتدريجياً قطعت العلاقة معهم «بقيت بسلم سلام ربنا بس لما بشوفهم لكن مبعملش أكتر من كده».