أى حكومة أو نظام سيواجه تحديات صعبة، فما بين إصلاح الماضى وبناء المستقبل ومواجهة صعوبات الحاضر يمكن أن تحدث عملية توهان، فثمة أمور كثيرة قد وقعت دون استعداد أو استشراف للمستقبل سيدفع ثمنها أى نظام حكم حالى أو مقبل إذا أراد الإصلاح بجد، فقد اعتاد معظم الشعب المصرى، سواء بفطرته أو بفذلكته أو كسله تحطيم أى سيستم أو نظام ترغب الحكومة مهما كانت فى تطبيقه.. وبالتالى أصبحت عملية غزو مصر سهلة، ليس من خلال الجيوش بالطبع، ولكن عبر تصدير أكبر عدد من المشاكل؛ لأن الحكومات المتعاقبة عملت بطريقة رد الفعل وليس استشراف المستقبل والاستعداد له، وأى حكومة جادة ومخلصة ستحتاج إلى جهد كبير حتى يقف البلد فى مكانة يستطيع من خلالها معالجة آثار الماضى والاستعداد لما هو قادم.
أمثلة كثيرة تدل على أن الفوضى دائما تسبق الحكومات المتعاقبة، لعل أبرزها الزيادة السكانية التى انفجرت دون أى استعداد أو توقع للدرجة التى جعلتها تلتهم أى جهود للتنمية، بل وتتفوق كثيراً على ثروات البلد وإمكانياته.. المثال الثانى البناء على الأرض الزراعية الذى تم عبر سنوات كثيرة فى غفلة من الحكومة والدولة، ودون إجراءات رادعة حتى التهمت المبانى الأراضى الزراعية وأصبحنا نبحث عن أخرى، وبالطبع ستكون التكلفة باهظة، بالإضافة إلى قضية توصيل المرافق لهذه المبانى، وما تكبدته من ميزانياتها لإنقاذ الفوضى. كما انتشرت العشوائيات فى أماكن عديدة، فى المدن أيضاً ثم تكفلت الحكومة بهدمها وإعادة بنائها وتنظيمها.
ما حدث مع الأراضى الزراعية جرى أيضاً مع اختراع «التوك توك» الذى تسرب إلى مصر أمام أعين الحكومة، لكنها كانت تنكره ورفضت ترخيصه حتى امتلأت به الشوارع دون ضابط أو رابط، والغريب أن حكومة د. أحمد نظيف -على سبيل المثال- كانت ترفض منحه التراخيص فى حين يخرج وزير المالية د. يوسف بطرس غالى ليفاخر بإتاحة فرص التشغيل بالأرقام ويضيف إليها العاملين على التوك توك كدليل على نجاح الحكومة.. الأغرب أن التوك توك تسبب فى مشاكل كثيرة، منها تدمير مظهر بعض مناطق القاهرة، فانتشرت البلطجة والجرائم، بل والأخطر أن معظم الحرفيين المهرة تركوا مهنتهم واتجهوا للعمل كسائق توك توك، كما أن الحكومة لا تُحصِّل من هذا النشاط أى ضرائب أو رسوم. وكما تسرب التوك توك، دخل مصر أيضاً نظام «كريم وأوبر»، وانتبهت الحكومة بعدها وأقرت قانوناً لتنظيم عملهما بينما دولة الإمارات العربية المتحدة لم تسمح به حتى الآن للدراسة.
الإنترنت والسوشيال ميديا دليل جديد على الاختراق السهل دون أى اعتبارات أو استعدادات، وبالتالى لم تكن هناك أى مقاومة لسلبياتهما التى يدفع المجتمع ثمنها والدولة أيضاً سواء من كم المعلومات المغلوطة أو الغزو الثقافى أو رفع مستوى الطموح عند الناس، أو ظاهرة التباعد العائلى التى أفرزتها وسائل التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى تنامى ثقافة السب والقذف وتراجع اللغة العربية.
ثمة إجراءات عديدة طوال السنين الماضية تعكس أن الدولة استشرفت المستقبل وسبقت فوضى المجتمع فى القضاء على العشوائيات وتوفير طاقة كهربائية تكفى التوسعات الصناعية والسكانية، وكذلك الطرق والكبارى، ومشروعات الإسكان لكن تظل المشاكل المجتمعية، أو بمعنى أصح «الفوضى المجتمعية»، هى التى تقود الدولة!!