كل عام والوطن بخير وسلام.. ما رأيته فى العدد المحدود من البلدان المتقدمة التى زرتها أنه لا يمكن للآباء أن يقوموا بتسجيل تواريخ ميلاد أبنائهم إلا فى اليوم نفسه الذى وُلدوا فيه بالفعل، لأن آلية التسجيل هناك تتبع نظاماً بيروقراطياً مفيداً (البيروقراطية فى الأساس شىء جيد وهى تطبيق القوانين بالقوة فى مجتمعات منظمة). يعتمد هذا النظام على الإشعار الرسمى من المستشفى التى وُلد بها الطفل إلى مكتب الصحة، الذى يُرسل بدوره شهادة الميلاد الرسمية بعد فترة على عنوان الأهل.
فى مصر منذ عقود كان الأمر مختلفاً، فمعظم المواليد يولدون فى المنازل وليس فى مستشفى، وبناءً عليه يعتمد تاريخ الميلاد المسجل على ما يقوله ولى الأمر بمكتب الصحة، وهو عملياً غير مُلزَم بقول الحقيقة، فمن الممكن مثلاً لأب أن يُسجل طفله فى أى تاريخ قريب من تاريخ ميلاده الحقيقى، ربما لمطابقته مع تاريخ ميلاد زوجته أو أمه مثلاً، أو ليوافق يوم الميلاد حدثاً تاريخياً معروفاً، وتبقى أشهر الحالات هى الخاصة بتسجيل المواليد فى الأول من يناير من كل عام.
عدد مواليد الأول من يناير أكبر بشكل لافت من مواليد كل أيام السنة، وهو تاريخ له سحره الخاص، كونه بداية العام، فضلاً عن الطريقة الشيقة فى نطقه (واحد واحد).. وأزعم أن معظم مواليد هذا اليوم فى مصر هم من أصحاب تاريخ الميلاد المفبرك، وأن نسبة الخطأ للتيار العام منهم تتراوح بين أسبوع زائد وأسبوع ناقص، أى أن غالبيتهم من مواليد الفترة من 23 ديسمبر وحتى 7 يناير ولكن ذويهم أرادوا لهم يوم ميلاد مميزاً.. هذا فضلاً عن عدد ضخم من كبار السن ممن خضعوا لعمليات تسنين فى مكاتب الصحة، وتم انتقاء عام ميلادهم بشكل علمى تقريبى، أما يوم الميلاد فيتم فى معظم الحالات اختيار الأول من يناير من العام الذى تم اختياره.. وأنا شخصياً بالمناسبة أرى أن يوم 31 ديسمبر هو أكثر تميزاً.
حتى الأحداث التاريخية التى وقعت فى الأول من يناير، هى الأخرى فى معظم الأحيان مفبركة، لأنها لم تقع فى الواقع فى هذا اليوم بالذات، بل كانت أحداثاً حُدد لها نطاق زمنى يبدأ فى مطلع عام ما، وبالتالى سجلها التاريخ فى اليوم الذهبى (واحد واحد)، مثل: دخول اتفاقية ما حيز التنفيذ، أو انضمام إحدى الدول لأحد الاتحادات، أو استقلال دولة أو اتحاد دولتين أو انفصالهما وهكذا.
خدعة تسجيل المواليد فى الأول من يناير أصبحت فى حدها الأدنى الآن بفضل منظومة متطورة لتسجيل المواليد والوفيات فازت بالمركز الأول أفريقياً والدرع الذهبية بمسابقة الابتكار الإدارى التى نظمتها المنظمة الأفريقية للإدارة العامة نوفمبر الماضى بالعاصمة البتسوانية غابورونى (المنظومة فازت من قبل بالمركز الثانى على مستوى العالم).. والدول العربية التى سبقتنا فى موضوع ميكنة الخدمات، بأيدٍ معظمها مصرية، تسعى الآن للاستفادة من تلك المنظومة المهمة.. وهذه المنظومة ستكون موضوعاً للمقال المقبل إن كان فى العُمر المزيد.. عام جديد سعيد على الجميع.