«عبدالقدوس» الابن: أبى كان نموذجاً عصرياً لـ«سى السيد».. وأمى كانت تلقبه بـ«سونا» وهو يناديها «لولو».. وأتمنى تحويل منزله إلى متحف
محمد إحسان عبدالقدوس
داخل منزل إحسان عبدالقدوس، تحدث الابن «محمد» عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، عن ملامح شخصية والده كأب وزوج وعلاقته بأفراد الأسره وموقفه من زواج الابن من ابنة الشيخ محمد الغزالى، وعرض «عبدالقدوس الابن» جانباً من علاقة والده بحكام مصر بدءاً من الزعيم جمال عبدالناصر حتى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكيف أثرت هذه العلاقات على عمله بالصحافة.
نجل الكاتب الكبير: رواية «أنا حرة» تعكس نشأته بالعباسية.. وهو من أخفى بطل «فى بيتنا رجل»
وفى حواره لـ«الوطن» تحدث نجل الروائى والكاتب الكبير عن طقوس والده الخاصة بالكتابة، وأبرز الشخصيات التى كانت تتردد على منزله، وأقرب صناع السينما وأهل الفن إليه، وإلى نص الحوار:
لم يكن كثير الكلام، كما كان يحب النظر إلى المستقبل لا إلى الماضى. وهو كان رجلاً قدرياً واستسلم للمرض فى نهاية حياته، وعندما جاء «مبارك» إلى الحكم أحس والدى أن المسئولية انتقلت إلى جيل جديد، فقد كان مبارك أصغر من والدى بـ10 سنوات، لكنه كان يُقدر والدى، وانعكس ذلك علىّ، عندما تم إلقاء القبض علىّ فى بعض المظاهرات، كان يتم تقدير والدى ويوجه بمعاملتى بطريقة جيدة.
النظر إلى المستقبل
هل تغير شىء فى منزل والدك منذ رحيله حتى اليوم؟ وهل هناك متعلقات تخصه لدى أى من أشقائك؟
- لم أغير أى شىء فى المنزل، وقد أقمت بالشقة منذ زواجى بها وإلى اليوم، وأرجو أن تحولها وزارة الثقافة إلى متحف خاص بالوالد بعد رحيلى، دون أن تغير شيئاً بها، وأرفض أن يخرج منها أى شىء، وشقيقى «أحمد» لديه صور فوتوغرافية ومكاتبات بين الأب والأم، ورسائل أخرى متنوعة.
حدثنا عن إحسان عبدالقدوس الأب؟ وماذا ورثت عنه أنت والشقيق الأصغر؟
- علاقتنا بوالدى أنا وشقيقى أحمد كانت وثيقة جداً وكان يمنحنا الحرية الكاملة، التى يكتب عنها وينادى بها فى كتاباته، فهو مثلاً ينتمى إلى التيار الليبرالى، ولم يعترض على انتمائى إلى التيار الإسلامى، منذ 1976، ولا حتى عندما تزوجت بنت الشيخ محمد الغزالى، وكان من أمتع الأوقات له عند الجلوس معه للمناقشة فى أمور دينية، رغم أن الشيخ الغزالى هاجم روايات والدى واعتبرها تدعو البنات إلى الفسق، ومع ذلك فقد رحب «الغزالى» أيضاً بزواجى من ابنته، فكان كل منهما صاحب عقلية متفتحة، وورثت عن والدى الحنان والرغبة فى العمل بالصحافة وحب الفن الراقى، وأحب الفنانين الكبار، وأنا من قمت بتغسيل محمد عبدالوهاب فور وفاته، و«أحمد» أخذ عن الوالدة حسن الإدارة.
وهل تعتقد أن معاملته لأبنائه ستختلف لو رُزق بالبنات؟
- كان والدى يقول لنا: لو كانت لى بنت لما حملت لها هماً أكثر مما أحمله للولد، لن أحاول حمايتها من المجتمع بل سأتركها له تصارعه ويصارعها وأترك التجربة تعلمها، فهى أفضل معلم وليس فقط كلماتى ونصائحى لها.. وأنا واثق أنه لن يصيبها ضرر لأننى دوماً بجانبها، نشأت وتربت على الأخلاق، سأتركها للحب بعدما أعلمها ما هو الحب، ولن أعترض على اختلاطها بالشباب بعدما أقول لها رأيى فى حدود الاختلاط، ولن أكون متعجلاً فى زواجها وأن يكون لى أحفاد منها، ويستوى عندى أن تتزوج مبكراً أو يتأخر زواجها، المهم أن تكون سعيدة مع زوجها، فالزواج ليس وظيفة بل حياة، ولها أن تختار حياتها بمحض إرادتها، سأعمل على أن تكون ابنتى ذات شخصية كاملة ومستقلة.. وعندما تزوجت تمنيت أن يرزقنى الله بالولد وتفضل ورزقنى بولدين، هذا ما كان يقوله لنا والدى.
وكيف كان يتعامل ناظر «مدرسة الحب» فى الرواية مع زوجته وشريكة حياته داخل المنزل؟
- أبى جمع بين البيئتين المحافظة والليبرالية، وأمى كان اسمها «لواحظ»، لكن والدى لم ينادها بهذا الاسم، وكان يعتبره ثقيلاً، وكان يدللها باسم «لولا»، وكانت هى تناديه باسم «سانو» داخل البيت، وكان يناديه بنفس الاسم أصدقاؤه المقربون، وهناك مثل يقول إن البيت مملكة المرأة، فوالدى طبق هذا الكلام بشكل فعلى، فترك كل الأمور المتعلقة بالمنزل وبنا وبه شخصياً للوالدة، فهى التى كانت تختار له ملابسه وطعامه وتهتم بنا من الألف إلى الياء، وتفرغ هو للكتابة بالفعل، والمثل الآخر الذى ينطبق على علاقتهما هو «وراء كل عظيم امرأة» وكانت تطبقه أمى حرفياً، بل كانت تطبق مفهوم «وراء» وليس «بجانب»، ليتفرغ هو تماماً للكتابة، حتى إنها كانت ترفض إجراء أحاديث صحفية، وكان ذلك يتم بحب شديد من أمى لا قسراً منه، كان والدى مع أمى «سى السيد» العصرى بالحب لا بالقهر، فكان ممنوعاً طبعاً أن تخرج ليلاً بدونه فى وقت سفره، لكن كان يخرج معها مرتين فى الأسبوع السبت والأربعاء، وكان له جملة مشهورة «لولا لولا ما نجح سانو».
كان ينادى عبدالناصر بـ«يا جيمى» وعلاقتهما ساءت بعد تجربة السجن.. و«السادات» حضر فرح شقيقى «أحمد».. و«مبارك» كان يُقدره.. واعتاد أن يرتدى ملابس أنيقة فى المنزل للدخول فى أجواء الكتابة كأنه على موعد مع حبيبته.. ولم يكن مسموحاً لأحد بالدخول عليه.. و«أبوسيف» المخرج الأقرب له
وماذا عن ردود فعل الأم تجاه التفاف المعجبات حول الأب المعروف بالوسامة؟
- كانت تشجع المعجبات، إلا فى الحالات النادرة التى بها تجاوز وهى حالات نادرة، كما أنهما تزوجا بعد قصة حب طويلة، واستمر الحب بينهما طوال حياتهما.
كيف تحيى الأسرة ذكرى ميلاد إحسان عبدالقدوس؟
- كنا قبل رحيله نقيم احتفالية كبيرة فى البيت ليلة رأس السنة، ويجتمع بها رموز الفكر والفن والأدب والصحافة، احتفالاً بعيد ميلاده وبرأس السنة، لكن منذ رحيل والدى لم أحتفل بهذه المناسبة، وستقيم مؤسسة روزاليوسف احتفالية كبيرة بمرور قرن على ميلاده فى 19 يناير الحالى، أما نحن فننظم منذ رحيله صالون إحسان عبدالقدوس الثقافى، وكذلك مسابقة القصة والرواية التى كان يوقعها نجيب محفوظ حتى رحيله.
ما أبرز الشخصيات التى كان تشارك فى هذا الحفل الذى كان يقام بالبيت؟
- أم كلثوم وعبدالحليم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وفاتن حمامة وعمر الشريف، والجيل الذهبى لمبدعى مصر، فكان أبى على علاقة طيبة بهؤلاء الفنانين أبطال أفلامه.
ومن منهم كان الأقرب إليه؟
- المنتج رمسيس نجيب، والمخرجان صلاح أبوسيف وبركات، وفاتن حمامة، فهو الذى كتب لها دور الشريرة لأول مرة فى فيلم «لا أنام».
ما أبرز طقوس الكتابة والأوقات التى يفضلها للكتابة؟
- كان من عاداته أن يكتب المقال السياسى أو الصحفى نهاراً فى المؤسسة الصحفية التى كان يعمل بها، وقبل أن يترك روزاليوسف فى 1964، كان يكتب القصة أحياناً بالصحيفة، لكن بعد أن تركها وعمل بالأهرام وأخبار اليوم وغيرهما لم يكتب القصة إلا بغرفة مكتبه بالمنزل، فكان عند عودته منتصف النهار يحرص على الاستراحة بعد الظهر، وعندما يستيقظ، وإذا لم يكن على موعد مع الأصدقاء للخروج أو استقبال الضيوف، يدخل المكتب ويرتدى ملابس الخروج بالكامل للدخول فى أجواء الكتابة رغم أنه بالمنزل، ولم يكتب بملابس البيت على الإطلاق، فكان يحرص على التأنق خلال الكتابة وكأنه على موعد مع حبيبته، وهو فى العموم لم يكن يفضل الجلوس بالبيجاما فى البيت، حتى أثناء القراءة، وكان يكتب من المرة الأولى ولا يراجع، لأنه كان موقناً أنه لو راجع سيُدخل تغييرات بالنص، فكان يفضل الكتابة الأولى، ويرى العمل بالبروفات، ولم يكن ليسمح لأحد بالدخول عليه أثناء الكتابة سوى للحفيد ابنى.
«إحسان» كان ليبرالياً ومنحنا الحرية الكاملة.. ولم يعترض على انتمائى للتيار الإسلامى.. ووافق على زواجى من ابنة الشيخ محمد الغزالى
ما أكثر الأعمال الروائية التى أبدعها وتشبه شخصيته؟
- رواية «أنا حرة» التى تمثل نشأته فى العباسية، حيث تربى فى بيت محافظ، وعاش بهذا البيت 24 سنة، والرواية الأخرى التى لها صلة بواقعه «فى بيتنا رجل»، حيث أخفى والدى «حسن توفيق» البطل الحقيقى للقصة عنده وقتها، قبل الثورة، فى المنزل بشارع قصر العينى، ومن هنا تعرف على أنور السادات الذى كان المتهم رقم 7 بالقضية، ومنه تعرف على جمال عبدالناصر، والضباط الأحرار.
كيف كانت علاقته بالضباط الأحرار؟
- قبل الثورة أمده الضباط الأحرار بمعلومات فى قضية الأسلحة الفاسدة التى أثارتها الصحافة، وكان ينادى عبدالناصر بـ«جيمى» إلى أن سجنه، فتباعدت العلاقة بين الاثنين، وتراجعت كتابته السياسية لصالح الأدب والقصة، وكانت علاقته متينة مع السادات، ولهما الكثير من الصور معاً، والسادات حضر فرح شقيقى أحمد، وخرج والدى من الأهرام فى 1976، لعدم رضا السادات عنه، وبعدها بدأت تسوء العلاقات، وزعل منه والدى أياماً، ثم جاء اعتقالى سنة 1981 فى عهد السادات.