افتتحت الصين العام 2019 بإنجاز علمى غير مسبوق.. لقد هبط مسبار صينى على الجانب المُعتم من القمر. انبهر سبعة مليارات إنسان فى العالم، وقال علماء وكالة ناسا لمحطة بى بى سى: إنَّه إنجازٌ مثير للإعجاب.
(1)
فى عام 1972 ضاع الكثير من سِحْر القمر.. سقطت نصف الرومانسية التى طالما أحاطت به. بات العالم يتحدث عن الجبال والوديان.. عن الصحراء الجرداء والجاذبية الضعيفة. باتَ رمزُ الجمال على مر التاريخ.. صوراً صادمةً تمتلئ بالحُفر والرمال.
أبهرت أمريكا العالم.. وهبط الإنسان للمرة الأولى على سطح القمر.. داسَ «أرمسترونج» على كل أبيات الشعر ودواوين الغزل.. وراحَ يخطو على الخيال بينما تتابعه الكاميرات بحشدٍ من الصور.
أصبح القمر معروفاً للعلماء.. ولكن جانباً منه كان معروفاً أكثر.. إنّه الجانب القريب من الأرض. أمّا الجانب الآخر.. ذلك الجانب المُعتم من القمر فظلَّ بعيداً وغامضاً.
فى عام 1959 التقط الاتحاد السوفيتى أول صورة للجانب المُعتم من دون أن تهبط عليه أىّ مركبة. وبعد نصف قرنٍ هبطت الصين فى 2019 بأول مسبار على الجانب المُعتم.
كانت خطى الصين سريعة ومذهلة.. وكانت النتائج قويةً وباهرة. فى عام 2002 لم يكن هناك رائد فضاء صينى واحد. ولكن فى عام 2003 أصبح هناك أول رائد صينى يصعد إلى الفضاء. وبعد عشر سنوات وفى عام 2013 أرسلت الصين مسباراً فضائياً لاستكشاف سطح القمر.. إنه المسبار «يوتو» الذى استمر فى العمل أكثر من ثلاثين شهراً.
وفى عام 2018 قررت الصين الوصول إلى الجانب المُعتم من القمر. ثمّة مشكلة غير عادية أشارت إليها «وكالة الأنباء الفرنسية».. أنه يمكن الاتصال والتواصل مع المركبات الفضائية التى تُرسل إلى سطح القمر القريب.. لكن لن يمكن الاتصال إذا ما تم إرسال المسبار إلى الجانب الآخر من القمر.
قامت الصين بحلّ المعضلة.. فى مارس 2018 أرسلت «بكين» القمر الصناعى «شيوهتشياو» ليتموضع فى مدار القمر.. وبشكل يسمح بنقل الأوامر والمعطيات بين الأرض ومركز الاستكشاف. وبعد ذلك أرسلت المسبار «تشانغ إى 4».. أى إن «القمر الصناعى» سبق «المسبار» إلى الجانب المُعتم من القمر.. واليوم فإن المسبار الصينى يرسل الصور إلى القمر الصينى على نحو منتظم.
عادت ذاكرة العالم إلى أجواء «أبولو».. بينما تبث الصين مشاهد هبوط «تشانغ» على سطح القمر.
تدرس «بكين» التكوين الجيولوجى والموارد المعدنية.. كما تدرس الإمكانات البيولوجية، وفرص الزراعة.. استعداداً لأول رحلة صينية مأهولة إلى القمر.
(3)
تتحدث وسائل الإعلام عن أن إبهاراً جديداً ستفتتح به الصين عام 2020 كما افتتحت عام 2019. حيث سيجرى تشغيل أول «قمر صناعى يضىء شوارع الصين». وحسب صحيفة الجارديان البريطانية.. ستجرى مضاعفة إضاءة «القمر الحقيقى» ليلاً بإضافة وهج «قمر الإضاءة الصناعى».. وسوف يضىء القمر الجديد مدينة باتساع (80) كيلومتراً مربعاً يصل عدد سكانها إلى عشرين مليون نسمة.
وقد تحدث عالم صينى -بثقة- إلى الجارديان قائلاً: إن اختبار «قمر الإنارة» بدأ منذ سنوات.. والآن فإنّ التكنولوجيا أصبحت جاهزة تماماً.. وبصفةٍ نهائية.
لم يعد القمر كما كان.. أقمار إنارة منافسة.. وأقمار صناعية تدور من حوله.. وروبوتات تزعج صمته وهدوءه.. استعداداً لغزوه.. واستثماراً فى معادنه، وربما استغلالاً لمياهه وأراضيه.
لقد تجرأت شركات كبرى للحديث عن وضع أكبر لوحة إعلانات على سطح القمر.. وعن افتتاح مطعم يمكنه توصيل الطلبات إلى القمر!
إن الصين إذْ تغزو الجانب المعتم من القمر.. إنما تبدأ تاريخاً جديداً.. لن يكون الحديث فى القادم من سنوات كما كان من قبل. سيكون الحديث أكثر تحديداً.. أىّ جانب من القمر؟.. وسيتحدث البعض عن شمال شرق القمر، وسيتحدث آخرون عن جنوب غرب القمر.
لقد انتصرت وكالات الفضاء على قصص الحب.. وهزمَ العلمُ القصيدة.