عندما صدر الفيلم الأمريكى الشهير «I Robot» عام 2004 للمؤلف والعالم العبقرى «إيزاك أزيموف» صنّفته المواقع الفنية المختلفة على أنه «فيلم خيال علمى» حيث تقوم فكرته على التحقيق فى جريمة قتل أحد علماء التكنولوجيا، ويكتشف ضابط التحقيق «آدم سميث» أن وراء الجريمة «روبوت» كان هذا العالم يتولى برمجته، وتطورت الأحداث حتى أصبح هناك صراع مباشر بين البشر و«الروبوتات»، حيث استشعرت الأخيرة حجم الخطر الذى تواجهه نتيجة خضوعها للبشر.
الآن وبعد مرور 14 عاماً على إنتاج هذا الفيلم، شاهدنا قضية مماثلة لتلك التى تناولتها قصة الفيلم، ولكن هذه المرة على أرض الواقع، وليس من خلال شاشات السينما!
حيث قامت 4 روبوتات تم تصنيعها بداخل شركة رائدة فى مجال الروبوتات باليابان، بهدف استخدامها فى التطبيقات العسكرية، بقتل 29 عالماً فى مختبر الشركة، حيث ذكرت الصحفية الأمريكية «ليندا مولتون هاو» فى فيديو تم إعادة نشره على مواقع التواصل الاجتماعى أكثر من 100 ألف مرة، أن الروبوتات قامت بإطلاق الرصاص على مبتكريهم، مضيفة أن الجزء الأكثر رعباً هو أن عمال المختبر أبطلوا اثنين من الروبوتات وفصلوا الثالث، أما عن الروبوت الرابع فبدأ يستعيد نفسه ويرتبط بطريقة ما بقمر صناعى يدور فى مدارات لتنزيل معلومات حول كيفية إعادة بناء نفسه بقوة أكبر من ذى قبل من أجل الدفاع عن نفسه ضد أى خطر.
وهذا التطور المدهش يؤكد المخاطر الكبيرة التى أصبحت تواجهها البشرية جراء التطور العلمى، والتوسع فى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، حيث أنتجت الشركات التكنولوجية خلال السنوات الأخيرة «روبوت» ذاتى التعلم، أى إن هذا الإنسان الآلى قادر على تعليم نفسه المهارات المختلفة، ودراسة أخطائه بهدف عدم الوقوع فيها مستقبلاً، وظهر ذلك بوضوح فى 2016 عندما قام أحد «الروبوتات» ذاتية التعلم بالانتصار على أحد أبطال العالم فى لعبة «تنس الطاولة» بعد أن هُزم منه فى الجولة الأولى.
وهذا الصراع الكبير الذى يدور حالياً بين الإنسان الآلى والبشر، لا بد أن تفطن إليه الدولة المصرية، فلا يمكن أن يتطور العالم من حولنا كل ثانية، ونحن إلى الآن مصرون على عدم استيراد «الروبوت»!
لا شك أن الروبوت يمثل خطراً كبيراً على سوق العمل المصرى، فى وقت تحتاج فيه الدولة لتشغيل كل أبنائها وتخفيض معدلات البطالة التى ما زالت مرتفعة وتدور حول 10%، إلا أن تجاهلنا لهذا التطور لن يدوم طويلاً، وسيذكرنا جميعاً بتطبيق سياسات الانغلاق الاقتصادى فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ورفْضِنا التعامل اقتصادياً مع العالم، حتى أصبحنا فى وادٍ، والعالم أجمع فى وادٍ آخر، وعندما خضعنا لـ«الأمر الواقع» وطبقنا سياسات الانفتاح الاقتصادى فى عهد الرئيس السادات، لم نكن نمتلك وقتها أى قدرات على المنافسة مع المنتجات المستوردة، الأمر الذى أثر بالسلب على الصناعة الوطنية، وتحول عدد كبير من المصنعين إلى التجارة والتوكيلات الأجنبية، التى تتسم بالربح الكبير والسريع، وترتب على كل هذه التطورات تأخرنا صناعياً وتخلفنا عن الثورة الصناعية الثالثة، وارتفاع فاتورة الواردات والعجز التجارى.
واليوم، أتصور أننا سنكرر الخطأ نفسه لو تأخرنا فى تمكين العاملين من التعامل والتأقلم مع الابتكارات الصناعية الجديدة، والأساليب الإنتاجية المتطورة، واستمررنا فى حظر استيراد «الروبوت» أو تعقيد إجراءات دخوله، فيوماً ما ستصبح أسعار هذه «الروبوتات» منخفضة وتتناسب مع إمكانيات كافة المصانع، وهنا سنضطر لاستيرادها حتى نحفظ للمنتجات المصرية قدرتها على المنافسة فى الخارج، نتيجة للوفورات فى التكلفة التى تحققها تقنيات الذكاء الاصطناعى والاعتماد على «الروبوت» فى الإنتاج.
ولكن فى هذا التوقيت سيكون العالم قطع أميالاً فى ملفات الذكاء الاصطناعى وسياسات الإنتاج، بينما نبدأ نحن فى اتخاذ الخطوات الأولى، الأمر الذى يعنى مزيداً من التأخر الاقتصادى، والتخلف عن الثورة الصناعية الرابعة.
أثق بشكل تام فى وعى القيادة السياسية والحكومة لهذه التطورات، ولكننى أطالب كافة الأجهزة المختصة بتحمل المسئولية فيما يتعلق بالتطورات المتلاحقة التى يشهدها العالم، وضرورة نقلها لمصر، حتى نواكب هذا العالم شديد التطور، بعد أن امتلكنا خلال السنوات الماضية كافة المقومات التى تؤهلنا للخروج من العالم الثالث!