تطورت الدساتير الحديثة كثيرا فى اتجاه ضمان الحقوق لا سيما حقوق المرأة كمواطن يمثل نصف المجتمع ويعانى بصورة كبيرة من التشوهات القانونية والثقافية التى عادة ما تكرسها وتستفيد منها الأنظمة المستبدة، فلم تعد تقتصر الدساتير الحديثة فيما يتعلق بالحقوق على ذكرها فقط بل امتدت لتأكيد هذه الحقوق من خلال ضمانات يتم ذكرها فى الدستور نفسه لتحصين هذه الحقوق ضد الالتفاف عليها أو انتهاكها بقانون، بل الأكثر من ذلك هو ترتيب تبعات فى حال انتهاك الحقوق، ويمكن النظر إلى تعديلات الدستور المغربى 2011 الذى واكب بدرجة كبيرة التطورات الدستورية، ففيما يتعلق بحقوق المرأة، نصت المادة 19 على المساواة بين المرأة والرجل «المناصفة» بصورة عملية وإنشاء آلية عمل للتأكد من هذه المساواة وذلك بالنص على أن «تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز».
وليس الدستور المغربى فقط من نص على المساواة بل كافة دساتير الدول التى مرت بمراحل انتقالية فى الحقبة الحديثة، سواء فى شرق أوروبا أو أمريكا اللاتينية وحتى أفريقيا، وبقراءة هذه الدساتير نجد البنود الدستورية الخاصة بالمساواة بين الجنسين لها طريقتها فى الصياغة ومواضيعها الخاصة التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فلم تعد المساواة أمرا افتراضيا فى الدولة، إذا دستورها يتحدث فقط للرجال -نصف المجتمع فقط- مهمشا النصف الآخر منه، عن طريق استخدام الضمائر له أو عليه، فالنساء يشعرن بطريقة أو بأخرى بالاستبعاد أو بعدم وضعهن فى الاعتبار نظرا لاستبعادهن من أهم وثيقة تنظم الدولة التى يعشن بها وهو أيضا القانون الأساسى والأسمى للبلاد، أيضا ليس من المناسب أن تكون المرأة مذكورة فى الدساتير فقط عند التطرق للبنود التى تتعلق بالأمومة ومرحلة الإنجاب، فهذا يعكس السياسة العامة للبلد ككل ويضيق أو يقيد دور المرأة فى المجتمع لهذين الدورين فقط. فمن المفروض أن يتم ذكر المرأة فى كل بند ينظم جوانب الحياة المختلفة سواء العامة أو الخاصة مثل الديباجة وأحكام المساواة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية وأيضا المشاركة السياسية.
ففى الديباجة المصطلحات المعتمدة أمر بالغ الأهمية: وينبغى إدراج إشارات محددة تهدف إلى إرساء مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، ويعزز الفكرة القائلة بأن كلا من الرجال والنساء على قدم المساواة أمام الدستور ولهم نفس الحقوق والواجبات ويعاملون بطريقة متساوية خالية من أى تمييز، فعلى سبيل المثال نص الدستور الرواندى فى ديباجته على الالتزام بضمان المساواة فى الحقوق بين الروانديين من النساء والرجال، أيضا وجود نص دستورى مستقل متعلق بمبدأ عدم التمييز أمر فى غاية الأهمية لحماية حقوق جميع المواطنين والمواطنات على قدم المساواة، ويمكن الإشارة إلى دستور جنوب أفريقيا الذى نص على عدم جواز التمييز بشكل مجحف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضد أى شخص لأى سبب من الأسباب سواء كان بسبب الجنس، النوع، العرق، الحمل، الوضع العائلى، الأصل العرقى أو الاجتماعى، أو اللون، الميل الجنسى، السن، الإعاقة، أو الدين أو العقيدة أو الثقافة أو اللغة أو الولادة.
ومن اللافت للنظر أن هذه البنود تفصيلية والأسباب المذكورة تم ذكرها على سبيل الحصر حتى لا يترك أى مجال للتفسير بطريقة تخالف روح الدستور، ولأن الدساتير هى القاعدة التى تنطلق منها الدول إلى التقدم أصبحت جنوب أفريقيا واحدة من مجموعة أهم عشرين دولة تتحكم فى قرارات العالم وهى الدولة الأفريقية الوحيدة التى نرجو أن تلحق مصر بها بدستور يحترم حقوق المرأة كمواطنة وقوة بشرية وإنتاجية.