ودعنا منذ أيام عاماً مضى، بكل ما يحمله من إنجازات وأطروحات وهموم وأعباء، واستقبلنا فجر عام جديد يستشرف فيه شعب مصر الأمل فى العيش الكريم، وأن ترتاح الأنفس من معاناتها، وتجف الدموع من مُقلاتها، وتعلو البسمة على الشفاه، وأن يجنى الشعب ثمار معاناته وآلامه وآهاته، أملاً فى غده وثقة فى رئيسه ووعوده، ولن يتحقق ذلك إلا بما هو آتٍ:
أولاً: أن تنفذ الحكومة ما قطعه رئيس مجلس الوزراء على نفسه من وعد فى بيانه أمام مجلس النواب بقوله: «لن نترك شخصاً فقيراً يتكفف الناس، فالحكومة أولى به»، وهو أقل ما يوصف به حجم ما ارتُكب بحق هذا الشعب من إفقار وإهدار لثرواته وحقوقه وأراضيه، وهو ما يوجب على الحكومة أن توضح موقفها من هذه الكنوز المنهوبة من الذين يستحقون أن يطلق عليهم أغنى فقراء الدنيا! تلك الثروات والإمكانات التى كان من شأنها أن تحمى المصريين من توابع وكوارث القروض والديون، وأن تكون أيضاً من مصادر تمويل المستهدف من مشروعات قومية كبرى وإطلاق برامج للمستقبل كثيفة العمالة تستهدف المرأة والشباب، وتوفر آلافاً من فرص العمل للشباب الذين طال بهم الأمل وضاقت بهم مجالات العمل.
ثانياً: الاعتراف بما وصلت إليه أحوال المصريين من جهد وشقاء ومعاناة من جرّاء فاتورة الإصلاح الاقتصادى، وهو ما أقرّ به السيد الرئيس فى أكثر من حديث، والوعد برد الاعتبار والحقوق والاستحقاقات لأصحابها وذويها، وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهو ما سيكون من أعظم الإنجازات لثورة ودولة 30 يونيو 2013، وهو ما يتطلب ترجمة بشائر الأمل والاطمئنان والثقة فى أن يجنى ملايين المصريين ثمار صبرهم وما تحملوه -ومازالوا- من إصلاحات اقتصادية بالغة الصعوبة، ولكنه وعدٌ يحتاج أن يُستكمل بإعلان كيفية تنفيذه، وما هى الآليات التى سيتم من خلالها؟ وما هى أولى الثمار أو النتائج المتوقعة؟! وما هى المدة الزمنية التى يلمس فيها الشعب المصرى آثاره على حياته ومعيشته؟ وهو ما سوف يعمق من اطمئنانه، ويزيد من صلابته وتماسكه، ويعطيه مناعة واستقواء على محاولات آثمة للاختراق والتشكيك والتهوين، فلم يعد الأمر يحتمل أن يبدو كأنه قراءة أو تنبؤ بالمجهول، بل يجب أن تعلن الحكومة المتوقع والمنتظر، وأن تحدث بالفعل تغيرات وثمار تؤكد قدرتها على إحداث تغيير حقيقى وتخفيف وإنقاذ ملموس!! وأن تأتى نتائج موثقة لمشروعات وإنجازات ضخمة، وبخاصة بعد ما أعلن رئيس مجلس الوزراء أن ما تم إنجازه من مشروع الإصلاح الاقتصادى يصل إلى 85% ولم يتبقَّ منه إلا 15%، يحتاج المصريون أن يعيشوا ما يثبت هذه الآفاق الكبرى والطموحات والمشروعات التى امتلأت بها أحاديث رئيس الوزراء.
ثالثاً: إعلاء مبدأ النزاهة والشفافية والمصارحة فى كل مناحى الحياة الحكومية، وهو ما يتطلب متابعة مدى التزام وتنفيذ كل وزارة لدورها ومسئولياتها، وتكوين جهاز لمتابعة التنفيذ فى كل وزارة ومؤسسة حكومية، وهو أمر وإجراء إذا ما تحقق سيترتب عليه إنهاء تاريخ طويل من الفشل والفساد وإنفاق المليارات فى مشروعات لا تكتمل. وفى هذا السياق أذكّر -على سبيل المثال لا الحصر- بما حدث فى مشروعات توشكى والمثلث الذهبى وترعة السلام وتنمية سيناء وفوسفات أبوطرطور ومزارع القمح التى قُضى عليها فى الساحل الشمالى والصحراء الغربية! ومشروع الألف مصنع؟! وأن يُستكمل ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء من التزام مراجعة مدى جدية كل وزارة فى تنفيذ تكليفاتها الواردة فى بيان الحكومة وضرورة مراجعة ما أُنفق وما يتواصل الحصول عليه من دعم وقروض، وما هى الأولويات الملحة التى تفرض مواصلة الاقتراض. وعلى سبيل المثال، عندما تعلن وزيرة الاستثمار عن اقتراض ملايين الدولارات من المؤسسات الدولية لدعم مشروعات الصحة والتعليم وغيرها من المرافق الحيوية، يجب هنا أن تعلن -تحقيقاً لمبدأ الشفافية الحكومية- خطة وأولويات إنفاق هذه القروض والانعكاسات الإيجابية المتوقعة لها وطرق سدادها.
رابعاً: إدراك حجم وهول الواقع الذى جعل الإنسان المصرى يعانى الأمرّين، والتخفيف عنه وتحسين معيشته والبعد عن موجات الغلاء التى اعتادت عليها الحكومة فى أعوامها الستة الماضية، ومراعاة الفئات الأكثر فقراً، وتمكين فئات الشعب الكادحة الصابرة، والإدراك لحجم مرارة وقسوة ما تعيشه وتعانيه الجموع الأكبر من ملايين المصريين، وذلك لكى يكون هناك حافز لإنجازات عاجلة تحول إلى وقائع حياة وتوفر للتنفيذ السرعة والجدية والأمانة والوصول ليس إلى شرائح أو قطاعات فقط، ولكن إلى جميع من يحتاجون التمكين والتخفيف والالتفاف حولهم والانتباه إليهم وإلى أدوارهم فى عبور كل ما مر به وطنهم وما زال يمر به من تحديات ومخططات لإسقاط وإفقار اختيارهم وانتصارهم العظيم فى إنجاز ثورة 30 يونيو، ولا يوجد أعظم من استكمالها بتحقيق ما خرجوا وثاروا من أجله، بعد استرداد ثورتهم من سارقيها، بتحقيق العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
خامساً: تفعيل دور المؤسسات الثقافية والشبابية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وحماية المجتمع من التطرف، وترسيخ المواطنة، والاهتمام بسيادة الثقافة فى كافة المجتمعات والطبقات على حد سواء، وازدهار الرعاية الصحية والتعليم وتعزيز حقوق الإنسان والحريات.
تلك أمنيات وطموحات على عتبة عام جديد تمثل ضرورات وفروض حياة وإحياء لبناء الإنسان المصرى فى واقع تتحول فيه الوعود والطموحات العظيمة التى امتلأت بها بيانات وأحاديث رئيس الوزراء، إلى التزام ومتابعة جادة وموثقة ووقائع حياة، وتحدث تغييرات حقيقية تؤكد أن لدى المصريين حكومة جادة فى أداء مسئولياتها وواجباتها تجاه شعبها تحقق لهم ما يأملون فى عامهم الجديد.
وكلنا أمل ألا تنهزم هذه الأمنيات والطموحات أمام جيوش الفساد والإفساد، وما اعتدناه من أداء مترهل لا يجد متابعة ولا عقاباً، وألا تهزم أيضاً أمام آفة وكارثة التمييز لفئات وجماعات ومؤسسات فتُفقد الثقة فى العدالة وتُدهس قيم المواطنة وتكافؤ الفرص، وألا ينهزم حفظ الهوية واحترام الذات الوطنية أمام إغراءات تدفق الاستثمارات الأجنبية وتدليل المستثمرين، وإخضاع الاستحقاقات واجبة الاحترام لمكونات ترسيخ الهوية الوطنية، خاصة فى التعليم والعلاج والخدمات الضرورية، إلى شروط وقروض ومطالب التربح والاستثمار ومشيئة وإرادة رأس المال!!
اللهم وفق ولاة أمرنا إلى ما تحبه وترضاه وإلى ما فيه خير البلاد والعباد، فأنت ولى ذلك والقادر عليه.. اللهم آمين.