أظن أن افتتاح كاتدرائية ميلاد السيد المسيح هذا الأسبوع لم يكن جبراً لخاطر مسيحيى مصر فقط، بل أظن أن وفاء الرئيس السيسى بالتعهد الذى قطعه على نفسه كرئيس للدولة قبل عامين، جبرٌ لخاطر المصريين جميعاً، وأظن أيضاً أن الرئيس وبصفته رئيساً للدولة أيضاً عليه أن يواصل جهده المقدّر فى إعادة الدولة وأجهزتها كافة إلى التعامل السوى مع المصريين كافة.
آن الأوان أن تنتفض أجهزة الدولة من غيبوبة طويلة ظلت خلالها بعيدة عن الاهتمام بالناس وباحتياجاتها، وبعيدة عن تحقيق مبدأ المساواة بين جميع المصريين.
يخطئ من يظن أن القصور الإدارى الذى سيطر على غالبية أجهزة الدولة طوال العقود الطويلة الماضية، كان يستهدف الأقباط فحسب، لقد كان التمييز والمحاباة يستهدفان المصريين جميعاً، لقد سادت المجاملات وشراء الخواطر وتفشّى الواسطة فى مختلف أمور الحياة، وبقصد أو بدون من الأجهزة الحكومية، أهدرت طاقات أجيال عدة من المصريين، وفقد المجتمع على مدى العقود الستة الماضية فعالياته، وفقدنا النظام، أى نظام فى حياتنا، وسادت الفوضى فى كل المجالات، فقدنا القدرة على التقدم ومحاكاة التطور الذى وصلت إليه غالبية المجتمعات والشعوب، المتقدمة والنامية على حد سواء، وقبلها فقدنا القدرة على الحفاظ على طاقاتنا البشرية والإبداعية المنوعة.
خلال تلك العقود، وفى ظل انعدام فاعلية الأجهزة الإدارية للدولة، انصرف غالبية المسيحيين إلى الكنيسة، وانزووا بداخلها، كما انصرف غالبية المسلمين إلى المساجد!
حالة الهروب هذه لم تكن سوى حالة يأس وقهر، ولم تتسبب سوى فى مزيد من استنزاف القدرات والطاقات البشرية المنوعة، وبالطبع خلّفت حالة الهروب هذه خسائر شتى لا تخطئها عين ولا يستطيع مهموم بهذا البلد أن يصرف النظر عنها.
وللإنصاف، فقد كان كل من الرئيس السادات والبابا شنودة رحمهما الله، وكلاهما من الرموز البارزة فى تاريخ مصر، يتحملان القدر الأكبر من المسئولية عن حالة الانقسام التى عاشها المجتمع المصرى خلال العقود الماضية، ولا تزال مؤثرة حتى الآن، وتسببت سلبية نظام الرئيس الأسبق مبارك فى استمرار حالة التجريف التى طالت المجتمع بكافة فئاته، ورغم سلبيات تلك السنة الكبيسة التى حكم خلالها الإخوان مصر، فإنى أرى أن مسارعتهم باستهداف الوطن كله بكافة فئاته وبشكل سافر، أعاد اللحمة بين المسلمين والأقباط وأتى بالجميع من حالة الهروب التى سيطرت على المجتمع، واستشعر الجميع أن خطر الإخوان الحالى يستهدف الوطن كله، فخرج المصريون كلهم دون تمييز، ضد الجماعة ورموزها.
وجاء «السيسى» رئيساً للبلاد، وشاءت الأقدار أن تضعه فى اختبار قوى يحتاج رداً سريعاً يبرهن على توجّه الدولة تجاه مواطنيها، فعندما استهدف أهل الشر وتجار الدم واحداً وعشرين مصرياً فى ليبيا، أعلن «السيسى» أن مصر سترد بكل حسم ولم تمضِ الليلة إلا وكانت وحدات من الجيش المصرى تدك مخابئ أولئك الفئران فى ليبيا، وكانت تلك هى المرة الأولى التى تخرج فيها وحدات من الجيش المصرى خارج البلاد للثأر لمواطنين أقباط، يومها قال «السيسى» عندما توجّه للكاتدرائية لتقديم واجب العزاء: لم يكن مقبولاً أن أحضر لتقديم واجب العزاء إلا بعد الثأر لشهدائنا.
واستنّ «السيسى» سُنة جديدة، غابت كثيراً عن مصر، لقد بات معتاداً أن يذهب وبصفته رئيساً للدولة إلى الكاتدرائية المرقسية لتقديم التهانى بالعيد، وخلال زيارته للكاتدرائية فى العيد قبل الماضى، وعد بإقامة كاتدرائية جديدة ومسجد فى مركز العاصمة الإدارية وبتبرعات المصريين، وبعد عام واحد فقط، تم افتتاح المرحلة الأولى من الكنيسة الجديدة، وأقيم خلالها قداس عيد الميلاد المجيد العام الماضى، وهذا الأسبوع تم افتتاح مسجد الفتّاح العليم، وكاتدرائية ميلاد السيد المسيح بشكل كامل.