وصلتنى هذه الرسالة من الدكتورة منى معين مينا، عضو مجلس نقابة الأطباء، وقد فضّلت فى البداية أن أنقلها بالنص لحضراتكم كما هى، تقول الدكتورة «منى»:
مشاعر عديدة ومتناقضة تنازعتنى عند قراءة خبر «إعلان 2019 عاماً لمقدّمى الرعاية الصحية»، وحديث د. هالة زايد عن الاهتمام بتحسين أحوال ودخل الأطباء وباقى مقدّمى الخدمات الصحية، وبعد حيرة طويلة، اخترت التركيز على الجانب الإيجابى من الكلام، وقرّرت أن أرسل إلى الدكتورة وزيرة الصحة -أو أعيد إرسال- تذكرة بمطالب واضحة وبسيطة ومتكرّرة للأطباء، وأكيد أنها يمكن أن تضع بعضها موضع التنفيذ فوراً، وتساعدنا فى السعى لتنفيذ البعض الآخر.
أولاً يأتى مطلب تنفيذ نص المادة 7 من قانون 14 وتنفيذ قرار وزيرة الصحة، بتحمّل الوزارة رسوم الدراسات العليا للأطباء وباقى أعضاء المهن الطبية، الحقيقة أن هذا النص القانونى لم ينفّذ منذ صدور القانون فى فبراير 2014 (أى لم ينفّذ لمدة 5 سنوات كاملة)، ولم ينفّذ بعد أن أصدرت وزيرة الصحة قراراً تنفيذياً بشأنه منذ 6 أشهر، رغم أن تنفيذه كاملاً لا يتطلب أى موافقات خارج وزارة الصحة، ويكلف نحو 40 - 50 مليون جنيه فقط، يمكن تحمّلها بالكامل من ميزانية الوزارة.
ثانياً إذا ما كانت الوزيرة تبحث عن تحسين لدخول الأطباء، فمن المهم والضرورى أن تتقدّم لمجلس النواب بمشروع قانون لرفع قيمة بدل العدوى للأطباء، وذلك بعد أن رفض وزير الصحة السابق تنفيذ حكم واجب النفاذ لرفع بدل العدوى وطعن عليه، وقررت المحكمة الإدارية العليا أن بدل العدوى يحتاج لإقرار تشريعى، يُذكر أن بدل العدوى للأطباء ما زال حتى يومنا هذا 19 جنيهاً.
ثالثاً من المهم جداً للأطباء أن تتبنى وزارة الصحة مشروع قانون تغليظ عقوبة الاعتداء على المستشفيات والأطقم الطبية، ومشروعاً آخر لقانون المسئولية الطبية، وذلك لحل مشكلتى الاعتداءات المتكرّرة بشكل شبه يومى على الأطباء والمستشفيات، يلاحظ أن هذين القانونين لن يكلفا وزارة الصحة ولا الدولة مليماً واحداً.
رابعاً الأوضاع شديدة التردى لسكن الأطباء، والتى كشفت عنها الوفاة المأساوية، لـ«د. سارة» شهيدة مستشفى المطرية، تحتاج لمراجعة سريعة، حتى تصبح أماكن إقامة آمنة وآدمية.
خامساً هناك مطالب بسيطة عديدة يمكن لـ«د. هالة زايد» حلها بـ«جرة قلم» كما يقولون، دون أن يكون لها أى تكلفة مادية، مثل إقرار فترة امتحانات الدراسات العليا -بناءً على جدول الامتحان الرسمى- إجازة امتحان مدفوعة الأجر، وذلك بدلاً من الوضع الحالى الذى يعطى للطبيب يوم الامتحان فقط، وقد يكون الطبيب «نوبتجى»، 24 ساعة، قبل امتحانات الماجستير أو الزمالة مباشرة! وإلغاء القرار المتعسف، الذى أصدره وزير الصحة السابق بمنع الترقية لاستشاريين للأطباء الحاصلين على الماجستير، وعمل لجنة للنظر فى نقل الأطباء الذين يعملون فى محافظات بعيدة عن سكنهم. وكما هو واضح فالعديد من هذه المطالب، لا يحتاج لأى تكلفة مادية.. ولكنه يحتاج للتفهم والاهتمام الحقيقى.. يحتاج للاستماع لأصحاب المشاكل.. والرغبة الجادة فى الحل.
وليس لى تعقيب بعد كل الشجون والهموم التى أوجعتنا بها دكتورة «مينا».. إلا أن أؤكد أن وزيرة الصحة لم تعرف حتى الآن أهمية بناء الطبيب، ولا إدارة المنظومة الطبية، ولم تدرك أن الطب كما هو مهنة إنسانية إلا أنه فى كل دول العالم «صناعة»!. تخيل أن تكون شاباً وعليك أن تعمل بمستشفى للحميات وعرضة للإصابة بفيروس «الإيدز».. وسعرك، «نعم أقصد المعنى القاسى»، عند الحكومة 19 جنيهاً.
أن تكون بحاجة لكتب ومراجع وتعمل بعدة أماكن لتحصل على «دخل عادل».. ثم ترفض الوزارة التى تعمل لديها، (نائباً بالحد الأدنى للرواتب 1200 جنيه)، ترفض أن تتحمل الوزارة رسوم الدراسات العليا للأطباء وباقى أعضاء المهن الطبية!. تخيل أنك تعيش فى واقع يسوده الجهل وفتاوى التداوى بالأعشاب وبول البعير، وأنت -وحدك- مطالب بفرض «لغة العلم» ومواصلة البحث العلمى حتى تصل لدرجة «أستاذ»، وخلال هذه الفترة الطويلة لا تنعم إلا بعدة ساعات للراحة والنوم على أسرة متهالكة فى مكان غير لائق بالحياة الآدمية، وأنت عرضة للاعتداء الجسدى ومضطر للدفاع عن مقر عملك!. إن لم يكن لكلمات شباب أطباء مصر صدى ورد فعل حاسماً وباتراً لحل مشكلاتهم، فهذا معناه أن السيدة الوزيرة تحول مملكة الطب إلى «عشوائيات» تسعى فيها كائنات طفيلية لم تنَل ما يكفيها من العلم و«الحياة الكريمة» التى طالب بها السيد رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى».
وحتى لا يكون «إعلان 2019 عاماً لمقدمى الرعاية الصحية» شعاراً للاستهلاك الإعلامى، يجب أن نستيقظ قبل أن تسقط مهنة الطب من أجندة الوزيرة.