مصاب ينتظر «أمر الله»: الموت بآدمية أفضل من العيش بذل الإهمال
قرر أن يقطع رحلة التعذيب التى قضاها بين جدران المستشفيات الحكومية، وعاد إلى منزله وافترش «حصيرة» موجودة داخل صالة شقته بالطابق الثالث، وأخذ العهد على نفسه بعدم الخروج منها، إلا إلى القبر، تفاديا للمعاملة غير الآدمية التى تعرض لها خلال رحلته للعلاج من مرض الكبد.
يحاول النهوض من مكانه فلا يقوى، فيعاوده اليقين بأنه مريض طريح الفراش، يغالب دموعه حتى لا تسقط من عينيه أمام أشقائه المحيطين به، يجدد الثقة فى نفسه بمحاولة يائسة، فيعلو صوته: «أنا خدمت البلد دى 35 سنة وأنا موظف فى مصنع الغزل والنسيج»، ثم ينظر إلى جسده الذى نحله المرض، وعينيه اللتين تغير لونهما إلى الأصفر الداكن، وبطنه التى تمتد أمامه بطول ذراعيه، فلا يجد أمامه سوى الامتثال لقضاء الله وقدره.
هذا هو حال فوزى أحمد مغربى (52 عاما)، قبل أن يروى لنا رحلته مع مرض الكبد «اللعين»، حسب وصفه، فهو المرض الذى أصيب به شقيقاه اللذان يكبرانه بسنوات قليلة، والآن حوّله من إنسان فتِىّ إلى مريض عاجز، لا يقوى إلا على البكاء فى كل موقف يظهر فيه عجزه.
«فوزى» هو أحد أبناء قرية كفر طمبدى التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، التى أصاب مرض الكبد غالبية أبنائها، فحولهم إلى زبائن دائمين للمستشفيات الحكومية، مثل معهد «الكبد القومى» ومستشفى «الهلال العام»، ومستشفى «جامعة المنوفية»، لكن دون فائدة، فالمصابون بالمرض يدركون جيدا أن أيامهم معدودة ويمضون ما تبقى من عمرهم فى انتظار الموت، بسبب انعدام العناية بهم فى المستشفيات الحكومية، إلى جانب استمرار وجود مسببات المرض بالقرية.
ويعود «فوزى» بذاكرته لسنة واحدة مضت، قبل نزيفه بدم المرض، حيث كانت قدماه لا تتوقفان عن الحركة هنا وهناك، لدرجة أنه كان يفضل الذهاب إلى عمله مترجلا، «الصحة كانت حلوة ومساعدة»، ولم يخطر بباله أنه سيقع أسيرا ذات يوم لبعض الأطباء والممرضين الذين يتفننون فى إذلال مرضاهم، على حد قوله، وجدران مستشفيات حكومية لا تستوعب إلا القليل، أحيانا يسعده حظه فيجد سريرا «يمشى الحال»، ومرة أخرى يظل واقفا على باب عنابرها دون أن يتمكن من الدخول، ماتت أحلامه وإن ظلت خلاياه الجسمية تنبض بالحياة، ولم يعد له مطلب سوى «العلاج بشكل آدمى» حتى يقضى الله به أمرا كان مفعولا.
أخبار متعلقة:
«الكبد».. موت بعلم الوصول
«الوطن» فى «كفر طمبدى»: نصف أبناء القرية مصابون بالكبد
«رشّاح القَلَج».. الوكيل الحصرى لتوريد مرضى الكبد للمستشفيات الحكومية
«سرابيوم».. قرية أرامل تودع 10 مصابين أسبوعياً