«سرابيوم».. قرية أرامل تودع 10 مصابين أسبوعياً
تحولت قرية سرابيوم التابعة لمركز مدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية إلى مكان موبوء، ليس بأمراض الكبد فقط بل بأمراض أخرى عديدة أبرزها السرطان، حيث أصيب معظم السكان بالفيروسات الكبدية بسبب سوء حالة مياه الشرب واستخدام المزارعين للمبيدات المسرطنة لإتمام نضج الثمار قبل موعدها، بالإضافة إلى عدم وجود مستشفى حكومى بالقرية التى يبلغ تعداد سكانها 56 ألف نسمة، ما جعل نسبة الوفاة جراء الإصابة بالكبد بين أهالى القرية هى الأعلى بين نسب الوفاة فى القرى المجاورة، حتى إن مشهد توديع المصابين الذين ينتهى أجلهم أصبح ظاهرة شبه يومية.
الوصول إلى القرية يتطلب قطع مسافة 15 كيلومترا من مدينة الإسماعيلية على جسر ترعة تبدو للوهلة الأولى نظيفة، لكن هذا الشعور سرعان ما يتبدد بعد مشاهدة ممارسات الأهالى، فغسيل الأوانى والملابس فيها صناعة نساء القرية على مدار اليوم، أما نشاط الرجال فيتنوع ما بين صيد الأسماك بالشباك اليدوية، وغسيل الخراف والحمير بمياه الترعة، ويتبقى الصبية الذين يعتبرونها «مصيفهم» الخاص بهم.
ماكينة المياه الخاصة بالقرية أنشئت منذ 35 عاما، ومنذ ذلك التاريخ لم تُجدد إلا منذ ثلاث سنوات، عندما قام المسئولون عنها بتحسينها من الداخل، لكنهم فى الوقت نفسه قاموا بتوصيلها بشبكة المياه القديمة التى تتكون من مواسير «إسبكيتوس» مصنوعة من الرصاص وبرادة الحديد المحرم استخدامهما دوليا.
ومن خلال «معدية سرابيوم» الواصلة إلى شرق قناة السويس يقوم ملاك المزارع المحيطة بالقرية بجلب الهرمونات المحرمة التى تتسبب فى تكبير حجم المحاصيل على الفور، طبقا لما ذكره شهود عيان، وتكون عبارة عن «سرنجات» يصل سعر الجرام منها إلى ألف جنيه، يتم خلطها بالسماد المستخدم فى الرى بالتنقيط والمياه السائلة، إضافة إلى الخلط بين الخميرة وثانى أكسيد الكربون لإتمام نضج المحاصيل خلال 24 ساعة فقط، ما جعل معدل الوفيات بالقري -طبقا لما ذكره مسئول بمستشفى الحميات بالإسماعيلية- يصل إلى عشرة أشخاص أسبوعيا، أعمارهم لا تتجاوز العقد الرابع.
وفى أثناء تولى الدكتور حاتم الجبلى وزارة الصحة، أصدر قرارا بتحويل مستشفى القرية التى كانت تساهم فى الحد من انتشار المرض إلى وحدة ريفية، دون أسباب معلومة! فأصبحت تغطى حالات «طب الأسرة» فقط، أما المرضى من أبناء القرية فليس أمامهم سوى الذهاب إلى مستشفى الجامعة على بعد 20 كيلومترا من القرية.
وداخل محل لبيع الأسماك المشوية التقت «الوطن» جلال محمد (52 عاما)، وهو مصاب بخليط من الأمراض «الكبد، حمى البحر الأبيض المتوسط، دوالى المرىء، استسقاء بالبطن، تضخم فى الطحال»، يروى حكايته مع المرض، وهو جالس على كرسى خشبى، ويقول إنها بدأت منذ شهر أبريل عام 2004 عندما تعرض للإغماء أثناء ممارسة عمله كصياد فى مياه قناة السويس.
ويشكو «جلال» بشدة من العلاج على نفقة الدولة، خاصة أن الذى يحصل عليه من المستشفيات الحكومية لا يكفيه ويضطر إلى شراء دواء آخر بمبلغ ألف جنيه شهريا، مما اضطره إلى ترك العلاج على نفقة الدولة منذ ثلاثة أشهر بعد إصرار الأطباء على حضوره فى الوقت الذى لا يقوى على القيام فيه من مكانه.
أما أيمن الوزان، موظف (44 عاما)، فيضطر لحمل زجاجة مياه معدنية أثناء تنقله بين شوارع القرية، ويقول إن «حالة المياه فى القرية رديئة جدا»، ما جعله يقوم بشراء فلتر مياه بمبلغ 4500 جنيه حتى يستطيع هو وأسرته شرب كوب مياه نظيفة، والسبب فى ذلك فقدان عائلته لـ30 من أبنائها، جميعهم فى سن الشباب، بعد أيام قليلة من إصابتهم بالكبد، يعول أسرة مكونة من أربع بنات والزوجة، لذلك فقد قرر عدم الخضوع لأى كشف طبى خوفا من التثبت من إصابته بالمرض.
أخبار متعلقة:
«الكبد».. موت بعلم الوصول
«الوطن» فى «كفر طمبدى»: نصف أبناء القرية مصابون بالكبد
مصاب ينتظر «أمر الله»: الموت بآدمية أفضل من العيش بذل الإهمال
«رشّاح القَلَج».. الوكيل الحصرى لتوريد مرضى الكبد للمستشفيات الحكومية