عرفنا فى المقال السابق أنه توجد فى مصر الآن منظومة متطورة لتسجيل المواليد والوفيات، وهى منظومة فازت بالمركز الأول أفريقياً والدرع الذهبية بمسابقة الابتكار الإدارى التى نظمتها المنظمة الأفريقية للإدارة العامة فى شهر نوفمبر الماضى بالعاصمة البوتسوانية جابورون، وكانت تلك المنظومة نفسها قد فازت من قبل بالمركز الثانى على مستوى العالم.. كما أن الدول العربية التى سبقتنا فى موضوع ميكنة الخدمات، بأيدٍ معظمها مصرية، تسعى الآن للاستفادة من تلك المنظومة المهمة.
منظومة بيانات المواليد والوفيات هى العمود الفقرى للجسد المعلوماتى فى مصر، وتمت عبر ميكنة كل مكاتب الصحة على مستوى مصر وعددها 4571 مكتباً، وهذه المنظومة ترتب عليها معرفة لحظية لحالة المواليد والوفيات ومن ثم إنشاء قاعدة بيانات مركزية لذلك، وتم ربط هذه المعرفة وتلك البيانات بالساعة السكانية الشهيرة الموجودة أعلى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وبالمناسبة فإن نمط وآلية عمل هذه الساعة قد تغير عن ذى قبل؛ ففى الماضى كان العدد التقريبى للمواليد والوفيات فى العام الواحد معروفاً (وهو سنوياً: أكثر من 2.5 مليون مولود، ونحو نصف مليون حالة وفاة)، وبالتالى فصافى عدد المواطنين الجدد سنوياً نحو 2 مليون، وبحسبة بسيطة نجد أن بمصر مولوداً واحداً كل نحو 16 ثانية، وبالتالى كانت تتم تغذية الساعة السكانية بهذه المعلومة بحيث تزيد بشكل آلى مستمر طوال ساعات النهار والليل رقماً واحداً كل 16 ثانية، ولكن هذا لا يحدث الآن، فإن مررت على الساعة خلال ساعات الليل مثلاً ستجدها متوقفة، وهى ليست مُعطلة كما يحب البعض أن يشيع، ولكن مكاتب الصحة مغلقة طوال الليل ولا يحدث أى تسجيل لمواليد أو وفيات، والفكرة أنه بعد أن تمت ميكنة مكاتب الصحة أصبحت الساعة تستجيب لحركات التسجيل الحقيقية طوال ساعات العمل فقط، ولا تزيد بشكل آلى على فترات زمنية محددة بل تتغير تبعاً لما يحدث فى مكاتب الصحة.
منظومة المواليد والوفيات هى منظومة غير مسبوقة يستفيد منها جميع مؤسسات الدولة فى كل القطاعات بما تنتجه من قاعدة بيانات ومعلومات يمكن الاستفادة منها لمتخذى القرار؛ فأى عملية تخطيط سليمة لا تتم إلا ببيانات دقيقة، ولا توضع السياسات إلا بتوافر معلومات محدثة وآنية.
نعرف من هذه المنظومة بدقة عدد المواليد الجدد فى كل مكان، وبالتالى عدد المدارس التى سنحتاجها وموعد هذا الاحتياج، وكذلك يمكن بهذه المعرفة توجيه برامج التوعية بأهمية تنظيم الأسرة مثلاً.. وتكشف لنا المنظومة كذلك عن أسباب الوفيات فى المناطق المختلفة، وهذا جزء من فكرة ميكنة مكاتب الصحة (بدلاً من جملة «هبوط حاد فى الدورة الدموية» التى كانت تُكتب فى كل الحالات!)، وهذا يسمح للجهود الطبية أن توجه بشكل سليم.. ونعرف من المنظومة كذلك عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق وأماكنها، بما يمكننا من تلافى ذلك عبر توجيه استثمارات إنشاء وإصلاح الطرق بفاعلية.. بشكل عام المنظومة تساعد فى سد الفجوات التنموية بين المناطق المختلفة فى مصر عبر توجيه الاستثمارات والخدمات إلى الأماكن الأكثر احتياجاً.