«مدد يا صاحب المقام».. أضرحة سمنود حكايات من نسج الخيال
يعشق المصريون الحكايات، ينسجونها ويعيشون أجواءها، خاصة إذا كانت ترتبط بأولياء الله الصالحين، لا يعنيهم أن يكون جزء كبير من الحكاية وهماً أو محض خيال، ما يهمهم الحصول على البركة، من أجلها يبذلون الغالى والنفيس، يتبركون بالأضرحة يحبون الأولياء، يأتون أفعالاً يحسبها البعض من أفعال الجاهلية ولكنهم يحرصون عليها رغم كل ما يقال، فى مدينة سمنود فى الغربية لا يختلف تعامل الناس مع الأضرحة عن باقى المدن والقرى بطول مصر وعرضها، يصل عدد الأضرحة فى المدينة إلى 21 ضريحاً، لا أحد يعرف عنهم شيئاً، ولكن الحكايات عن كراماتهم تدور بين الأهالى فى القرى والنجوع، ويزورهم المريدون من مختلف أنحاء مصر كل يوم جمعة، ويقدمون الهدايا والعطايا، ومن أشهر تلك الأضرحة ضريح «الأسياد السبعة» أو «البنات السبع»، فى جنوب المدينة يلاصقه مسجد يحمل اسم السبعة، المريدون يأتون للضريح كل عام فى ليلة الـ 14 من شعبان للاحتفال بالمولد، يقول رفعت مروان، من أهالى المدينة، إن هذا الضريح لـ 7 بنات شقيقات من العراق كن يعملن مغربلات للحبوب، وذات يوم عبرن نهر النيل داخل غربال دون أن تصل إليهن المياه، وكن يصفن العلاج للمرضى، وأهالى المدينة جمعوا تبرعات لبناء المسجد المجاور للضريح وأطلقوا عليه «مسجد السبعة» بعد أن رأت الحاجة قدرية - خادمة الضريح - الأسياد السبعة فى منامها يطلبون منها بناء مسجد على الضريح.
أثناء حوارنا مع مروان شاهدنا سيدة تدعى «أم محمد» يتعدى عمرها الـ 45 سنة تمسك بيدها اليمنى مسبحة، وتطوف حول المقام 7 أشواط، وتردد قائلة «خلصوا لى حقى يا سبعة يا مغربلين» و«جئت يا أسيادى السبعة لأكنس المقام على فلان اللى ظلمنى»، وبعد الانتهاء من الطواف خرجت فى حالة من الهدوء والسكينة خارج المقام، وأشعلت النيران فى بعض الأوراق ثم وضعت عليها عدداً من الحبوب، وظلت تراقبها بعينيها حتى حرقت بالكامل.
بعد أن انتهت سألناها عما فعلت، قالت: طفت 7 أشواط وحرقت 7 حبات بعدد الأسياد السبعة، هم 7 شقيقات من البنات عبرن البحر فى غربال، وعرفت من أجدادنا أنهن دفن فى هذا المقام، ويزورهن كل يوم جمعة أصحاب المظالم الذين يبحثون عن حقوقهم، يمسحون فى كسوة الضريح طوال أداء المصلين للصلاة، وبعد الفراغ منها يستكملون مراسم الزيارة بحرق الحبوب السبع بعدد الأسياد. وتقول «قدرية محمد» خادمة المقام: «قمت بخدمة المقام بعد وفاة والدى، وتوليت بعده هذه المهمة، وأنا سيدة عجوز تجاوز عمرى الـ70 سنة وأفنيت حياتى كلها فى خدمة المقام، ولم أتزوج حتى الآن، وضريح الأسياد السبعة يأتى له الزوار من كل مكان فى ربوع مصر من المظلومين يشكون مظالمهم للأسياد راجين رد حقوقهم، ونصرهم على من ظلمهم». ويقول «محمد مراد» شاب من أبناء المدينة: جميع الأضرحة فى المدينة البالغ عددها 21 ضريحاً لا أحد يعرف عنها شيئاً من أشهرها «الأسياد السبعة» جنوب المدينة، و«سيدى سالم الرفاعى» الموجود بشارع الخشاب بوسط المدينة، ويطلقون عليه «شارع الحفاة» نظراً لكثرة الأضرحة بهذا الشارع مما جعل روادها يمشون فى الشارع حفاة الأقدام، وتحولت بعض الأضرحة إلى أسواق تجارية تباع فيها الهدايا والنذور سواء المادية أو العينية التى يقدمها رواد هذه الأضرحة لخدامها سعياً للتبرك بها، ورغبة فى تحقيق آمالهم وطموحاتهم التى غابت عنهم طويلاً، ولا يرجى عودتها إلا بالتقرب لأصحاب الأضرحة، مشيراً إلى أن قادة الطرق الصوفية تبارك زيارة هذه الأضرحة.
ويقول «أحمد الخولى» شاب من القرية: إن مدينة سمنود تعيش أسبوعاً كاملاً من الاحتفالات بالموالد والأضرحة بداية من 14شعبان حتى 20 من الشهر نفسه، وتذبح الأضاحى من الخرفان والماعز أمام الضريح.
ويقول «أحمد مدين» موظف: «مدينة سمنود أصبحت فى الوقت الراهن مكاناً للدجل والشعوذة وقبلة للجهلاء، المدينة بها أكثر من 21 ضريحاً جميعها لا نعرف عنها شيئاً سوى أسماء أصحابها فقط مثل سيدى محمد المكى وسيدى الشرايحى وسيدى القاضى وسيدى صبرة، بالإضافة لشارع (يسمى الخشاب أو شارع الحفاة) نظراً لوجود عدد من الأضرحة به، أشهرها سيدى سالم الرفاعى، والمدينة التى كانت منارة للمعرفة والحضارة وإحدى محطات رحلة العائلة المقدسة وعاصمة مصر فى عهد إحدى الأسر الفرعونية تحولت بما يفعله بعض الناس حول تلك الأضرحة إلى مدينة الجهل والشعوذة».