أرى كما يرى غيرى المشهد الإعلامى فى مصر مرتبكاً مربكاً، ولأنه مرتبك لا يعرف ماذا يريد تحديداً أو من يخاطب على وجه الدقة أو نوع الرسالة التى يتوجب عليه نقلها أو حتى شكل الترفيه المرجو، فهو يتخبط ذات اليمين وذات اليسار، ولأنه مرتبك، فقد صار مُربِكاً لكل من حوله.
حتى أشهر قليلة مضت، كنت تسمع كثيرين يستشهدون بما سمعوه فى برنامج هنا أو ما مر أمام أعينهم فى فقرة هناك، برامج الـ«توك شو» ظلت حتى وقت قريب مضى مصدراً للمعلومة ومجالاً للكلام ومنهلاً من مناهل المعرفة الشعبية للمصريين، لكن الوضع لم يعد كذلك، والمصريون لم يعودوا مهتمين أو متابعين أو متفاعلين مع ما يرد فى البرامج وما يعرض عليهم من محتوى تليفزيونى بشكل عام.
وعلى الرغم من شيوع استخدام الهواتف النقالة، وتوسع وصول شبكة الإنترنت إلى المصريين، حتى إنه يقدر أن 39 مليون مصرى متصلون بـ«فيسبوك»، ونحو عشرة ملايين على «إنستجرام»، إلا أن الأحاديث الشعبية اليومية والسجالات الشارعية المعتادة تظل تشتق زخمها مما يعرض على الشاشات التليفزيونية.
لكن الشاشات التليفزيونية ومعها الصحف الورقية تعرف أنها فقدت الكثير من زخمها وقدرتها على الوصول إلى وإقناع وإمتاع المتلقى، صحيح أن وضع الصحف يختلف لأسباب كثيرة تبدأ بوضع الإصدارات الورقية الصعب فى جميع أنحاء العالم، وتمر بانصراف كثيرين عن كل ما هو مقروء، مفضلين الصوت والصورة، وتنتهى بالأسعار وما تمثله من إثقال على كواهل كثيرين، إلا أنه حتى الشاشات التليفزيونية لم تعد تحظى بما كانت تحظى به من مكانة عالية بين المتلقين فى مصر.
ربما يكون جانب منه مللاً لعدم حدوث جديد، أو تكدراً لعدم تحسن الأوضاع، لكنه لا يمكن كذلك إغفال حالة شعورية مزاجية هى خليط من الغضب مع اللوم مع قدر معتبر من تكدر العلاقة بين الشاشة ومن فيها من جهة، ومحيطها ومن يتابعها من جهة أخرى، فبين عزف على أوتار مشدودة من قبل البعض فى تلك البرامج عزفاً فيه الكثير من الافتعال والاضطرار يجعل المتلقى مهما كان متواضع المعرفة أو محدود الثقافة يدرك وجود غمامة على الشفافية أو تعكيرة فى المصداقية، وإغراق فيما تتفه من أمور وتصغر من إشكاليات، قرر الكثيرون من المواطنين الاكتفاء بأقل القليل مما يقدم لهم.
وزاد الطين بلة تلك الاحتقانات المحسوسة ولمس الأكتاف المتكرر من تحت الطاولات المكشوفة بين تلك الهيئات والكيانات التى تأسست وتفعلت من أجل ضبط الأداء وحساب الأشرار من جهة، وبين المؤدين على الشاشات وأحياناً على الصفحات من جهة أخرى، البعض صار ملكياً أكثر من الملك واعتقد أن عليه أن يقدم السبت والأحد عله يجد الاثنين أو الثلاثاء، والبعض الآخر اعتبر أن الظروف الاستثنائية التى يمر بها الوطن تعنى عدم الاكتفاء بالسير إلى جوار الحائط بل يحاول اختراق الحائط والسير فى داخله بديلاً.
وأغلب الظن أن هذا الأداء المرتبك والبحث المتفحص المتمحص عن مكانة مرموقة لدى المقربين من القيادات انعكست سلباً على أداء الكثيرين على الشاشات، هذا الانعكاس يصعب وصفه فى كلمات أو سرده عبر جمل وحكايات، لكن يكفى القول إنه أمر محسوس وفعل مكشوف للجميع باستثناء من يقومون به! فقط استمع إلى سائق تاكسى، أو عامل فى مطعم، أو مشرف أمن فى شركة حين يتحدث عن الإعلام وستعرف موقف الشارع، لا من سياسات الدولة أو إجراءات الاقتصاد الصعبة، أو رد الفعل تجاه التطوير الحادث فى التعليم، أو التطور الطارئ على بطاقة التموين، لكنك ستسمع كلاماً عن شعور بعدم الراحة وإحساس بعدم الاقتناع بالأداء.
هناك شىء ما غير مريح بكل تأكيد، والترمومتر القادر على قياس الحرارة وتحديد مسار العلاج لدى رجل الشارع، بالطبع هناك مؤدون أفضل من غيرهم، وهناك مذيعون ومحاورون ما زالوا قادرين على الاحتفاظ بقدر معقول من الموضوعية والشفافية، لكن وضع الإعلام العام ليس على ما يرام رغم جهود التنظيم وآلياته وكياناته.