الفرانكفونية هى إحدى أدوات الاستعمار الجديد، ادعت فى البداية الثقافة لتطويق القارة السمراء ثم فى قمة مؤتمر رؤساء الدول الناطقة بالفرنسية الذى انعقد فى هانوى عام 1997، غيّرت الفرانكفونية من طبيعتها وبنيتها عندما قرّر 52 رئيس دولة وحكومة إعطاء الفرانكفونية كامل بعدها السياسى والاقتصادى بإنشاء المنظمة الدولية للفرانكفونية، وإلى جانب دفاعها عن مبدأ التنوع الثقافى واللغوى -باعتبارها تهتم منذ البداية باللغة الفرنسية ومشتقاتها- صارت الفرانكفونية تعمل فى الوقت نفسه على إضفاء الطابع الديمقراطى على العلاقات الدولية، ونتيجة لذلك تقرّر إنشاء منصب أمين عام الفرانكفونية لمدة أربع سنوات بهدف القيام بمهام سياسية واقتصادية جديدة، وهو المنصب ذاته الذى شغله د. بطرس بطرس غالى، ثم رئيس السنغال عبده ضيوف.
باختصار تتدثر الفرانكفونية فى ثياب ثقافية، لكن فى الواقع تهدف إلى تطويق قارة أفريقيا وإنشاء مشاريع استثمارية فى جنبات القارة السمراء للهيمنة مرة أخرى على خيراتها تحت الأرض وفوقها، إذ لم يعد يُجدى الاستعمار القديم أو الانتداب الذى شغل دول القارة أحقاباً زمنية بعيدة.
وقد اعترف أحد مهندسى الاستعمار الجديد عندما قال: الفرانكفونية أشبه بشجرة جذورها أولاً فى أفريقيا، قبل أن تمتد بفروعها إلى أمريكا الشمالية، ثم القارات الخمس!
والحقُ أن أحداً لم يفطن للسم المدسوس فى العسل الذى تمارسه الفرانكفونية التى أسسها الرئيس فرانسوا ميتران ومهّدت لها شخصيات فرانكفونية شهيرة، مثل سانجور الشاعر الأفريقى ورئيس السنغال سابقاً، ثم الحبيب بورقيبة، رئيس تونس الأسبق.
فإذا سافرت إلى باريس وجدت أحياءً كاملة مكتظة بشباب من أفريقيا جاءوا ليبحثوا عن حياة آدمية صحيحة بعد أن سطا الفرنسيون على مقدراتهم وخيرات بلادهم، ويبدو أنها سياسة فرانكفونية لربط هؤلاء الشباب بفرنسا، وليس ببلدانهم الأصلية، ومن الأشياء ذات الدلالة فى هذا الخصوص أن الرئيس الفرنسى ماكرون قرر للمرة الأولى أن يمضى إجازة الكريسماس ورأس السنة فى دولة تشاد الأفريقية.
باختصار هى محاولة لربط القارة السمراء عبر الفرانكفونية بدولة فرنسا حتى يحدث تماهٍ بين الفضاءين الأفريقى والفرنسى، ثم باسم هذا الوجود الدائم فى القارة السمراء يتم السطو على خيرات هذه القارة التى رغم النهب الأول لا تزال بكراً بالنسبة لأوروبا وفرنسا على وجه الخصوص.
والحقُ أننا نستطيع أن نرى الفرانكفونية بأشكال أربعة أساسية حتى تكتمل فكرة التطويق التى تتبعها هذه المنظمة، فهناك الفرانكفونية الفرنسية، والفرانكفونية الأكاديمية، وثالثاً فرانكفونية الجمعيات والتجمعات والاتحادات المختلفة، ثم أخيراً الفرانكفونية التى تنشط على صعيد العمل متعدد الأطراف.