فى يناير ٢٠١٠، أى قبل عام من تخلى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم، أثار حوار الزميل محمود مسلم مع الدكتور مصطفى الفقى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب وقتئذ، ورئيس مكتبة الإسكندرية الحالى، زوبعة صحفية -وسياسية- حيث قال خلال الحوار الذى نشرته جريدة «المصرى اليوم» أن تولى أى شخص رئاسة مصر يجب أن يحظى بموافقة أمريكا وإسرائيل، ورغم ما تعرّض له «الفقى» من هجوم عنيف من رموز النظام وقتها بسبب هذا التصريح، ومحاولة البعض التخفيف من أثره بالإشارة إلى أنه يقصد ضرورة وجود توافق -لا موافقة- أمريكى إسرائيلى على شخص الرئيس المصرى، إلا أنه وبحكم صلاته الوثيقة بدوائر سياسية مهمة خارجياً وداخلياً، أصاب ولو ظلاً من الحقيقة، حول دور الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط كقوة عظمى وحيدة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتى قبلها بعشر سنوات، فى اختيار ملوك ورؤساء دول المنطقة، وخلع وعزل من لا يتوافق مع سياساتها، أو يستجيب لرغباتها، والنماذج متعدّدة، وما تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب عن ضرورة أن تتحمّل الدول نفقات حمايتها إلا تعبير فج عن طبيعة علاقات بلاده بكثير من دول المنطقة، وحكامها.
تذكرت ما قاله «الفقى»، الذى كما قلت -أصاب ظلاً من الحقيقة- وأنا أتابع سياسة الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الولايات المتحدة منذ كان وزيراً للدفاع، وقبل توليه رئاسة البلاد، بداية من انحيازه كقائد عام للقوات المسلحة للشعب المصرى الثائر ضد حكم الإخوان، رغم أنف إدارة الرئيس السابق أوباما، الداعم الرئيسى لوصول الجماعة الإرهابية إلى الحكم، وبعدها مباشرة بطلبه التفويض الشعبى.
ومن اللحظة الأولى، بدأ «السيسى» ما يمكن وصفه بحرب تحرير الإرادة المصرية من الهيمنة الأمريكية، بدأها بتنويع مصادر السلاح، وحتى الدواء المر بتحرير أسعار الخدمات وجهود خفض عجز موازنة الدولة هو فى جوهره هدف مهم على طريق تحرير الإرادة الاقتصادية، ولن أزيد كثيراً فى الحديث عن المشروعات الاقتصادية العملاقة، التى بدأت مبكراً بازدواج قناة السويس، وهى المشروعات التى ما زال ينكرها المغرضون وأصحاب الخيالات المريضة.
كلنا يتذكر كيف ابتزّنا الغرب بتقارير منظماته المشبوهة، مثل منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية عن حقوق الإنسان فى مصر، وجاء السيسى بإرادة حديدية لا تخضع للابتزاز، وتصدّت الدولة المصرية لفضح تلك المنظمات، التى هى مجرد واجهات للضغط على حكومات الدول، وكارت إرهاب أمريكى يستخدم عند الحاجة.
على الصعيد الدولى العربى، واتساقاً مع حجم ودور مصر الدولى والإقليمى، شهد العالم أجمع كيف عبّأنا الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، وكيف انتقدت مصر انسحاب الولايات المتحدة من منظمتى اليونيسكو والأنروا لمجرد اختلاف سياسة المنظمتين فى فلسطين المحتلة عن السياسة الأمريكية، وكيف تمسّكت بضرورة الحل السياسى للأزمة السورية، وهو ما يتم حالياً.
من الآخر.. «السيسى» صباعه مش تحت ضرس حد، ومش محتاج مساندة خارجية لدعمه فى الداخل، وسنده الوحيد إرادة شعبه، البطل الحقيقى لحرب تحرير الإرادة المصرية، ولا عزاء لمن يتمسكون حتى الآن بالغطاء الأمريكى، ولا يدرون أنهم عرايا.