صديق مقرب أفصح لى منذ أيام قليلة عن أرباح أحد المستشفيات الكبرى التابع لإحدى الجمعيات المتحفظ عليها من لجنة التحفظ على أموال الإخوان.. والذى يديره الآن مجلس إدارة تم تشكيله من وزارة التضامن الاجتماعى.. المبلغ الذى تم ربحه يتجاوز الخمسين مليوناً فى أقل من عامين.. وهو ربح ضخم يدل على الكثير من الحقائق التى ينكرها البعض منذ أن بدأت تلك اللجنة عملها فى مصادرة المشروعات الاقتصادية التابعة للجماعة المحظورة لتجفيف مصادر تمويلها..!
يقول الصديق -الذى أثق فى صدقه- إن مجلس الإدارة قد تسلم المستشفى وحسابه البنكى ليس به سوى مليون واحد.. ولم يتم تغيير أسعار الخدمات الطبية به نهائياً.. بل بالعكس فقد قام مجلس الإدارة بتجديد المستشفى بمبلغ يتجاوز العشرة ملايين جنيه تم استقطاعها أيضاً من أرباحه.. أى إن المبلغ الذى تم ربحه بالكامل يصل إلى ستين مليوناً من الجنيهات!!
الرقم يحمل الكثير من الدلالات المهمة التى يجب النظر إليها.. والأكثر من التساؤلات التى ينبغى طرحها لتبدو واضحة أمام الرأى العام.. ولتبدو الحقائق جلية واضحة أمام الجميع..!
الدلالة الأولى أن المستشفيات التى يفترض أنها «خيرية» هى مشروعات هادفة للربح وليست مجانية كما يظن البعض.. فالخدمة الطبية بها تقدم مقابل أجر وليست مجانية.. قد يكون الأجر منخفضاً بالمقارنة بالمستشفيات الخاصة الأخرى.. ولكنها تظل مشروعاً مربحاً.. فهل كانت تتم مراقبة تلك الأرباح من جانب وزارة التضامن؟.. هل كان يتم التحكم فى مصادر الإنفاق لتلك الأرباح حين كانت فى يد الإخوان؟!
لقد حصلت تلك المستشفيات على دعمها الشعبى من وجودها منذ زمن طويل.. وإهمال الحكومة عبر عقود شريحة كبيرة من المواطنين من ذوى الدخل المتوسط الذين لم يكن بمقدورهم الحصول على خدمة طبية خاصة بأسعار المستشفيات الاستثمارية.. ولم يتقبلوا فى الوقت نفسه رداءة الخدمة المتاحة لهم من القطاع الحكومى.. الأمر الذى جعل تلك المستشفيات ملاذاً لهم.. ومع وجود الشعار المتمسح بالدين مقترناً بها كأن يتم تسمية المستشفى أو المستوصف باسم أحد الصحابة أو الصالحين.. فكان الإقبال عليها هو أولى خطوات نجاحها واكتساب أهميتها بل وتأثيرها بين الناس..
وعلى الرغم من وجوب النظر إلى تجربة الإدارة فى هذا المستشفى الشهير باعتباره نموذجاً للإدارة الناجحة.. وتثمين دور القائمين عليه فى الحفاظ عليه باعتباره أحد المستشفيات المهمة الذى يخدم قطاعاً عريضاً من المواطنين بأسعار مقبولة للغاية.. إلا أن حجم الأرباح أصابنى شخصياً بالفزع..
نعم.. فالمستشفى هو أحد المستشفيات التى كانت تتبع الجماعة.. والمستشفيات كلها هى أحد القطاعات التى كانت الجماعة تستثمر فيها أموالها وأحد مصادر تمويلها.. فإذا كان مستشفى واحد تمكن من توفير كل هذا المبلغ -إذا افترضنا حسن الإدارة فى أعضاء الجماعة- فكيف كان الدخل بالكامل من كل المشاريع الاقتصادية التابعة للجماعة؟!
لقد كان قرار التحفظ على تلك المستشفيات مع استمرارها فى تقديم الخدمة الطبية قراراً حكيماً من النظام.. فإغلاق تلك المستشفيات كان سيخلق أزمة بين ذلك القطاع من المواطنين الذين تخدمهم والذين اعتادوا عليها.. واستمرارها بين أيدى الجماعة كان سيوفر لهم أموالاً ليست بالقليلة.. وسيحفظ لهم مصدراً لتمويل عملياتهم الإرهابية ضد الوطن من أموال مواطنيه..! أى إنهم كانوا سيساهمون فى شفاء المرضى ليقتلوهم بطريقة أخرى.. وبأموالهم!!
أعتقد أن بحث تجربة إدارة تلك المستشفيات لتعميمها على قطاع أوسع قد بات ضرورياً.. وشكر صاحب قرار التحفظ عليها لحرمان الجماعة من مصادر للتمويل بهذا الحجم قد بات فرضاً..!