على غرار «تحدي الـ10 سنوات».. "الصحافة": اختفى "الدشت والقلم" لصالح "الكيبورد" فتراجع التوزيع 90%
الصحافة الورقية في صراع صعب مع الإلكترونية
تحولت مواقع السوشيال ميديا خلال اليومين الماضيين إلى ساحة لما يعرف بتحدي الـ10 سنوات، وانتشر هاشتاج #10yearchallenge، وهو عبارة عن نشر صاحب الحساب على "فيس بوك"، صورته عام 2009 مقارنة بصورته في العام الحالي 2019، وبإسقاط الفكرة و"صحفتها" على حال مهنة الصحافة، نكتشف أن مياها كثيرة جرت في نهر التحولات الجذرية بفعل الثورة التكنولوجية بداية من عدد الصحف، وتوزيعها ومرورا بطبيعة العمل نفسه، وطرق الطباعة، وصولا إلى ما يشبه «الصراع المشتعل» بين «الورقي والإلكتروني»، والذي فرض سؤالا لا يزال يبحث عن إجابة «هل تقضي المواقع الإلكترونية على الصحافة الورقية؟».
5 صحف ورقية جديدة مقابل 200 موقع إلكتروني خلال 10 سنوات.. والتوزيع يتراجع من 2.5 مليون إلى 300 ألف نسخة
وبقراءة سريعة في حال وأوضاع الصحافة المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة، نجد أن عام 2009 كان بداية النهاية لما يعرف بـ«الدشت»، خاصة في المؤسسات الصحفية القومية، وهو الورق الذي كان يكتب عليه الصحفي موضوعه بقلمه، و«الدشت» هو أردأ أنواع الورق، لونه أصفر، ذو قطع متوسط، يصنع من مخلفات ورق الطباعة، يتسلم الصحفي «رزمة» أو أكثر، كل صباح لصياغة أفكاره التي يحولها إلى موضوع مكتوب بخط يده، ومن المفارقات أن «الدشت» معناه اللغوي في معجم الوسيط هو جملة من الورق غير المرتب أو المهمل ويعتبرها المعجم كلمة دخيلة على اللغة العربية، بينما يعني «الصحراء» في معجم «مختار الصحاح» فهو بالفعل ورق مهمل ويشبه الصحراء في لونه وملمسه الخشن.
الآن لا يعرف هذه الكلمة الأجيال الجديدة التي مارست المهنة عقب 2009، حيث توارى «الدشت» نهائيا لصالح «الكيبورد»، واختفى القلم كثيرا فأصبح الصحفيون يكتبون موضوعاتهم على أجهزة الكمبيوتر واللاب توب والتاب والـ«آي باد»، كما تحولت الهواتف النقالة إلى أجهزة لوحية يكتب عليها الصحفي أخباره وتقاريره والصور والفيديوهات المصاحبة لها، ويرسلها لحظيا سواء عبر الإيميل أو وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أصبح التعامل بين أطراف مراحل صياغة وتحرير الموضوع الصحفي إلكترونيا، فبدلا من أن يسلم الصحفي موضوعه بيده لرئيسه المباشر الذي يحوله بدوره إلى مسؤول «الديسك»، ظهر بالإضافة إلى مواقع التواصل، ما يسمى بـ«easynews»، عبارة عن سلة يضع فيها الصحفيون العاملون بالجريدة موضوعاتهم لتأخذ دورتها في التحرير والصياغة وحتى الإخراج الصحفي، ويستطيع كاتب الموضوع من خلال هذا التطبيق تتبع موضوعه ومعرفة التغيرات التي طرأت عليه في الصياغة والطريقة التي سينشر بها، بل بإمكانه معرفة ما إذا كان الموضوع سينشر من الأساس أم لا دون اللجوء لأحد أو الاستفسار من أي عنصر بشري.
ولو تحدثنا بلغة الأرقام عن عدد الصحف عام 2009 مقارنة بعددها الآن ونسب توزيعها، نجد أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أظهر أن عدد الصحف العامة بلغ 113 صحيفة عام 2009، منها 16 صحيفة يومية، 97 صحيفة غير يومية، ولفت التقرير إلى أن عدد الدوريات لكل من القطاعات «الحكومي والعام والأعمال العام والخاص» بلغ 384 دورية، في المقابل أظهر قرير حالة الإعلام في مصر الذي أصدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام العام الماضي، أن هناك 550 مطبوعة منها 56 مملوكة للمؤسسات الصحفية القومية و85 صادرة عن شركات مساهمة.
16 صحيفة يومية في 2009 مقابل 22 في 2019.. وروبوت صحفي يكتب 300 كلمة في الثانية
وبالحديث عن الصحف اليومية نجد أنها زادت خلال السنوات العشر الأخيرة وتحديدا عقب ثورة يناير 2011 بعدد 5 صحف وهي الشروق الجديد 2009، التحرير 2011، الوطن 2012، البوابة 2014، المقال 2015، لكن هذه الزيادة لا تذكر مقارنة بالمواقع الإلكترونية، فإذا كان هناك نحو 20 موقعا إليكترونيا عام 2009، فقد تخطى هذا العدد المائتين تقريبا، منهم 110 موقع تقدم بالفعل بطلب الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ولعل الأرقام السابقة تكشف وتفسر تراجع الصحافة الورقية بشكل سحيق في مقابل الصحافة الإلكترونية، فقد أكد تقرير الجهاز المركزي للإحصاء، أن عدد النسخ الموزعة من الصحف العامة بلغ محليًا 892 مليون نسخة عام 2009، بمتوسط 2.4 مليون نسخة يوميًا، أما الآن فيتراوح عدد توزيع الصحف ما بين 250 إلى 300 ألف نسخة يوميا، بما يعني أن نسبة التوزيع تراجعت 90%.
وما بين الصراع «الورقي ـ الإلكتروني» تظهر وسائل التواصل الاجتماعي لتمثل تهديدا قويا للمهنة بشقيها، فمن ناحية أصبحت هذه المواقع بمثابة منصات صحفية لأشخاصها، وتخطت ذلك في بعض الأحيان بصناعة الخبر ذاته سواء كان صحيحا أم شائعة، ومن ناحية أخرى نجد أنه في بعض الأحيان تستند بعض المواد الصحفية على ما ينشر في هذه المواقع التواصلية، ومنها تقريرنا هذا الذي بني على فكرة تحدي العشر سنوات التي اكتظت بها صفحات الفيس بوك.
وإذا تحدثنا عن السنوات العشر المقبلة فقد بدأت بوادرها في إعلان نجاح خبراء صينيون في صُنع أول روبوت صحفي في العالم قادر على كتابة المقالات، أطلق عليه اسم Xiao Nan، بحسب صحيفة «إكسبريس البريطانية»، حيث إن الروبوت بإمكانه كتابة 300 كلمة في الثانية الواحدة، ما قد يهدد وظائف الصحفيين في المستقبل القريب.