لم أفهم على وجه التحديد مغزى القرار الذى اتخذه مجلس النواب بالموافقة بالترخيص للمحال والمطاعم بتقديم الشيشة إلى جمهورها فى حال دفع رسوم قدرها 10 آلاف جنيه، وهل الهدف من هذا القرار وضع اشتراطات معينة لتقديم «الشيشة» فى المحال العامة بهدف محاصرة آثارها السلبية أم الحصول على رسوم تمثل حقاً للدولة؟. يبقى فى كل الأحوال أن تقنين الظواهر السلبية لا يكسبها أى نوع من الإيجابية. وتدخين «الشيشة» أصبح ظاهرة داخل المحال العامة والكافيهات فى مصر، لم ينج منها كبير ولا صغير، ولا ذكور ولا إناث. ليس من المنطق أن نقنن ظواهر سلبية أياً كانت الأسباب. وإقرار مبدأ الحصول على حقوق مالية باستغلال بعض الظواهر السلبية أمر يستحق المزيد من التفكير.
منذ عدة أيام أشارت إحصائية صادرة عن منظمة دولية معنية برصد مستويات تعاطى الحشيش على مستوى دول العالم إلى أن القاهرة هى المدينة الخامسة عالمياً فى تعاطى الحشيش. وأشارت الإحصائية إلى أن سعر جرام الحشيش فى مصر وصل إلى (16.15 دولار)، يعنى نحو 290 جنيهاً مصرياً. ولا خلاف على أن تزايد الطلب على هذا المخدر سوف يؤدى إلى اقتراب سعر جرام الحشيش من سعر جرام الذهب، وهو أمر سبق وتندر به السيناريست الراحل محمود أبوزيد فى فيلم الكيف، حين اشتكى «مزاجنجى» من ارتفاع أسعار الحشيش إلى حد اقترابها من أسعار الذهب، فرد عليه «تاجر الصنف»: «طالبوا بصرف الحشيش على بطاقة التموين». يحدث هذا فى وقت تبذل فيه الأجهزة الأمنية جهوداً مضنية لمحاصرة انتشار الحشيش فى مصر. ولولا ذلك لاحتلت القاهرة موقعاً أكثر تقدماً على خريطة التعاطى، لأن «التحشيش» جزء من السلوك التاريخى للمصريين. وقد تم تقنين بيعه وتعاطيه خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية لمقاومة الهيروين والكوكايين اللذين أخذا فى الانتشار فى مصر على يد الاستعمار الإنجليزى.
خلال الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأصوات التى تدعو إلى تقنين زراعة وتعاطى وتجارة الحشيش، انطلاقاً من أن حجم التعامل على مستوى هذا المخدر فى مصر بلغ 22 مليار جنيه، ومن شأن تقنين هذه التجارة أن يتيح للدولة دخلاً ضريبياً يتجاوز أربعة مليارات جنيه سنوياً. لبنان على سبيل المثال فى طريقها إلى إقرار تشريع يسمح بزراعة وتجارة الحشيش بهدف إنعاش اقتصادها. هذا النوع من التفكير له خطورته. فليس من العقل أن تكون المكاسب المالية والعوائد الاقتصادية سبباً لإضفاء الشرعية على عمل غير شرعى.
تقنين استخدام «الشيشة» داخل المطاعم والمحال العامة يعنى المزيد من الانتشار للحشيش، لأن التدخين يعتبر الوسيلة الأشهر لتعاطى هذا المخدر فى مصر. ولست بحاجة إلى التذكير بمخاطر «الشيشة» وقد أكدها الأطباء والمتخصصون. يكفى فى هذا السياق أن أشير إلى تسببها فى انتقال العديد من الأمراض الخطيرة بسبب تداولها على أكثر من فم. وليس يعقل أن يضيع جهد مبذول فى حملة -مثل حملة اكتشاف وعلاج فيروس سى- ينفق عليها ملايين الجنيهات بسبب الرغبة فى الحصول على 10 آلاف جنيه من كل محل يطلب الترخيص باستخدام «الشيشة».