دبلوماسية المساومة.. دلالات اختراق نتنياهو دولة تشاد "الحبيسة"
خريطة تشاد والدول المجاورة - أرشيفية
رغم أن زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لتشاد كانت متوقعة ومعلنة منذ زيارة رئيس تشاد إدريس ديبي لتل أبيب في نوفمبر الماضي، إلا أنها فاجأت الرأي العام في المنطقة والبلد غير الساحلي الواقع في وسط القارة.
الزيارة التي وصفها نتنياهو بالاختراق التاريخي، جاءت بهدف معلن وهو تجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد انقطاع منذ سبعينيات القرن الماضي، وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، قبل مغادرته الأراضي المحتلة متوجها إلى تشاد كأول رئيس وزراء إسرائيلي يقوم بتلك الخطوة، "أغادر البلاد الآن إلى تشاد لتحقيق اختراق دبلوماسي تاريخي وهام آخر"، إلا أن أبعاد هذا "الاختراق" تتجاوز الرمزية السياسية لاستئناف العلاقات مع دولة أفريقية بعد عقود من القطيعة، نظرا لتأييد معظم الدول الأفريقية لمصر وسوريا في هذا الوقت، في حربها ضد دولة الاحتلال في أوائل سبعينيات القرن المنصرم.
وتفهم الزيارة حاليا في سياق سباق الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فضلا عن الهدف المرتبط بتأكيد نتنياهو لنجاح سياسته الخارجية الرامية لكسر العزلة التي تعاني اسرائيل في محيطها الاقليمي، وهي السياسة التي كثفها نحو القارة منذ جولته الأفريقية في أوائل يوليو 2016، وكانت الجولة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي للقارة منذ 22 عاما، وشملت هي أوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، والتقى في أوغندا قادة سبع دول أفريقية، ولم تكن تشاد من بين تلك الدول القريبة منها جغرافيا، وفي نوفمبر 2017 قام نتنياهو بلقاء عدد من قادة الدول الأفريقية على هامش مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا.
ومن جانبه، أعتبر الدكتور أحمد أبوزيد الباحث في إدارة الأزمات والأمن الإقليمي أن زيارة نتنياهو لدولة أفريقية مسلمة جارة للعرب تمتلك حدود مشتركة مع السودان وليبيا، تمثل اختراقا كبيرا لأفريقيا، وتحركا لافتا ضمن سياسة التغلغل الاسرائيلي في القارة، مؤكدا أن الرئيس التشادي إدريس ديبي يعاني من مشكلات أمنية وسياسية في بلاده، ربما هي ما تفسر قبوله لهذا الوضع في إطار مساومة ما تمت بين تل أبيب وانجمينا، مؤكدا أن "دبلوماسية المساومة" الاسرائيلية هي ما تفسر نجاحها في استغلال حاجة البلدان الأفريقية للاستثمارات والدعم الأمني لتبديل مواقفها من القضية الفلسطينية والعلاقات مع دولة الاحتلال، وكسب أصواتها ضد دولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي باتت الساحة الوحيدة على المستوى الدولي لنصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بعد شلل مجلس الأمن نتيجة للفيتو الأمريكي الفوري فيما يتعلق بفلسطين.
الرئيس ديبي (66 عامًا) هو أحد الزعماء الأفارقة الأطول عهدًا ويتولى رئاسة تشاد منذ 1990، قد أزعج المعارضة التشادية بخطوته التي ستدفعها لاستغلال الزيارة لتصعيد حملاتها المناهضة للسلطة والمطالبة بالتغيير الديمقراطي.
رخيص علي شحاد، الأمين العام للتحالف الوطني من أجل الوحدة والتغييرANUC/، والمنسق العام لحركة الجيل التشادي المعاصر من أجل التغييرGMCT الذي يتحدث العربية بطلاقة كونها اللغة الوطنية الأم الثانية بعد الفرنسية، قال لـ"الوطن" أن الزيارتين المتبادلتين بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإدريسديبي الرئيس التشاد، تعتبر "مغامرة"، مضيفا: "نحن نعتبر هذه الخطوة التي اتخذها ديبي، مغامرة بوطننا تشاد وشعبها لأجل البقاء في سدة الحكم، وظهر هذا جليا في تصرفاته والإجراء الذي اتخذه من غير دراسة عميقة والنظر إلى خطورته وتأثيره السلبي في المجتمع التشادي ثقافيا واجتماعيا وحتى سياسيا ودون مبرر".
وحول الموقف التشادي من الصراع العربي الاسرائيلي، قال شحاد: "العلاقة مع إسرائيل كانت مقطوعة منذ بداية السبعينات في زمن الرئيس الأسبق الوطني المسيحي/ أنقرتا (تمبلباي)، وذلك لا لأجل المصالح التشادية وإنما لأجل الانسانية وإحترام الإنسان الفلسطيني الذي يسيل دمه وتسقط روحه في أرضه وبيته، والآن وللأسف يعود الرئيس ديبي المسلم كسر حاجز سد العلاقة بين إسرائيل وتشاد، لمصالحه الشخصية وطموحه للسلطة الزائفة.. بهذا يمكن نقول إن إدريس ديبي قد تجاوز مرحلة الفشل في إدارة الدولة والحفاظ على سيادتها المحترمة، إلى إهانة الشعب وكرامته وضرب مشاعره الثقافية والدينية بكل برودة وابتزاز".
وفي الوقت الذي لا تمتلك فيه تشاد حدودا مشتركة مع دولة الاحتلال ولا حتى موقعا استراتيجيا حيث تعد دولة حبيسة، فإن الإذاعة الاسرائيلية قد ذكرت أن الزيارة تستهدف فتح المجال الجوي التشادي أمام الرحلات الجوية الإسرائيليّة المتجهة إلى أميركا اللاتينيّة، وهي تبقى مكسبا مفرغا من القيمة في إطار استمرار إغلاق المجال الجوي السوداني أمام الطيران الاسرائيلي.
فيما تصر تل أبيب على مواصلة جهودها، لإبرام اتفاقيات أمنية وعسكرية مع تشاد وتدشين طيران مباشر لتعزيز العلاقات بين الجانبين، وفي هذا الصدد قال السياسي التشادي المعارض، "نحن كشعب نرفض كل ما يمس سمعتنا ولا نرحب بأي شكل من الأشكال بشخص لا يحترم الحقوق الإنسانية ولا يشرفنا أن نبني معه علاقة لا تعود مصلحتها لوطننا، وبالتالي فإن إسرائيل لا تربطها بنا حدود ولا علاقات معاصرة أو جذور تاريخية أو مواقف إنسانية حتى نرضخ للتطبيع معها على حساب الشعب الفلسطيني الجريح واهتزاز المشاعر الشعبية".