الثورات يفجِّرها ويضحِّى من أجلها المخلصون فى أوقات تحتاج لثورة فعلاً ولكن يركبها الأفَّاقون والحنجوريون والمراهقون السياسيون ويجنى ثمارها الانتهازيون، وتبدأ بحلم جميل وتنتهى بكابوس فظيع.
الثورات فى بلاد العرب تفشل لأن الثوار يفشلون فى تحويل الثورة بعفويتها وشعبويتها غير المنظمة إلى دولة القانون بانضباطها وحزمها، ولأن معظم الحكام ديكتاتوريون يعشقون السلطة ولا يريدون مغادرتها حتى لو تحطم كل شىء، ومبدؤهم «حبذا الإمارة ولو على الحجارة».
البلاد التى لم يكن فيها جيش وطنى أثناء الثورات شارفت على التقسيم مثل ليبيا، وكذلك البلاد التى غمرتها الميليشيات المسلحة المدعومة من الخارج سواء التكفيرية أو الشيعية مثل سوريا واليمن.
معظم الثورات تأكل أبناءها، ولك أن تتأمل ثورة يوليو ماذا فعلت بنجيب وعبدالحكيم عامر ويوسف صديق وخالد محيى الدين وغيرهم، وتأمل كيف أُعدم مفكرو الثورة الفرنسية بيد الثوار، وكيف غيّبت السجون والمنافى زعماء ثورات الربيع العربى، فالثورات أخطر فى الإقصاء من الحكومات.
معظم الثورات قامت لمطالب اجتماعية أكثر منها سياسية أو دينية، ولكنها ما تلبث أن تتحول إلى شعارات سياسية دينية ومذهبية مثل مصر وسوريا واليمن وليبيا وكذلك ثورة الخمينى، فبعد نجاح الثورات يتكالب الجميع نحو السلطة، ويضيع الفقراء أكثر من ذى قبل، فترتفع الأسعار وتزيد البطالة وتغلق المصانع ويضيع الاقتصاد... إلخ.
معظم الذين جاءوا بعد الثورات فى بلاد العرب كانوا أقل كفاءة وأكثر بطشاً من سابقيهم.
معظم الثورات فى بلاد العرب بدأت سلمية بيضاء وانتهت إلى مولوتوفية وحمراء دموية، فالثورة السورية بدأت بيضاء ثم قُتل وجرح فيها قرابة مليون إنسان، وغمرت سوريا الدماء.
أما ثورة 25 يناير فبدأت سلمية وانتهت بحرق كل شىء، الأقسام والمحافظات والكنائس والمحاكم ومقرات الأحزاب والإخوان، أما القتلى والجرحى فحدِّث ولا حرج.
الثورات فى بلاد العرب تبدأ بشعارات تدعو لكرامة المواطن ووحدة الأوطان واستقلالها ثم تنتهى عادة بتقسيم البلاد، فالثورة السورية انتهت بتقسيم البلاد، واحتلالها من تركيا وإيران وروسيا والميليشيات الشيعية والتكفيرية وميليشيات الأكراد، والجولان تحتله إسرائيل، وكل هؤلاء تقاتلوا دون أن يطلق أحدهم رصاصة نحو الجولان المحتل.
وتسلّم ثوار 23 يوليو مصر «مملكة مصر والسودان» وعندما مات «ناصر» تركها دون السودان وسيناء.
وقامت الثورة اليمنية وكان اليمن موحَّداً وأصبح الآن ممزقاً وعلى شفا التقسيم الحقيقى، وتلعب فيه دول الخليج وإيران وحلفاؤها.
وقامت الثورة على «القذافى» وليبيا موحدة والآن تحولت إلى جزر منفصلة تدار بالريموت كنترول من الخارج.
كل الثورات العربية قامت ضد حكام طواغيت لم يستجيبوا لنداء الحكمة وحكمة الزمان أفسدوا ثلاثين أو أربعين عاماً، ولكن الثورات أزالت طاغية وأتت بمئات الطواغيت، فالقذافى كان مجنوناً أضاع ليبيا وأموالها بمغامراته الطائشة والآن حل محله مئات الطواغيت، ونفس الأمر بالنسبة لعلى عبدالله فى اليمن، ففى كل شارع الآن عشرات الفراعنة والطواغيت الذين يقتلون مباشرة دون سجون ولا محاكمة، ونفس الأمر فى سوريا، فكل الثورات العربية أرادات خلع حاكم فاسد فأتت بمن هو أفسد وأطغى، فالثورات دائماً تحب أهل الثقة، أما النظم المستقرة فتحب الكفاءات.
أكثر ما أضر ثورات الربيع العربى استباحة المجال السياسى الوطنى لهذه الدول من الدول الخارجية الدولية والإقليمية.
من أكثر السلبيات التى حدثت بعد ثورات الربيع العربى دخول المال السياسى الحرام فى اللعبة السياسية للدول بطريقة خطيرة لأول مرة منذ استقلالها.
كل الثورات تولد صغيرة ثم تكبر ويتزايد خيرها، وتنضج طبختها، إلا ثورات العرب التى وُلدت عملاقة قوية نظيفة، ثم بدأت تصغر وتتلوث شيئاً فشيئاً.