منذ عدة أيام، وبينما كنت أتصفح الشبكة العنكبوتية، لفتت نظرى دراسة بعنوان: «المرأة فى الحركة الجهادية: نظرة تاريخية»، صادرة عن «المركز الدولى لمجابهة التطرف»، للمؤلفة «سيراندى ليدى»، وهى باحثة متخصصة فى قضايا المرأة والعنف السياسى. وقد حاولت الباحثة، من خلال دراستها، إعطاء صورة بشكل معمَّق عن الدور التاريخى للمرأة فى التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.
وقبل أن أتطرق معكم لمضمون هذه الدراسة، أود أن أشير إلى أن موضوع علاقة المرأة بالإرهاب، خاصة فى عالمنا العربى، كان قد لفت نظرى وبشدة، لكنه لم يأخذ حتى الآن القدر الكافى، أو ما يستحقه، من البحث العلمى والدراسة، سواء من قبَل الباحثين، أو الجهات الناشطة فى مكافحة الإرهاب، وذلك على الرغم من الأهمية الكبرى والتأثير الخطير لذلك، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، حيث إن دور أو أدوار المرأة أكثر خطورة من الرجل فى تلك التنظيمات. وكلنا يدرك تماماً أن الخطورة هنا تأتى من واقع الدور الحيوى الذى تقوم به المرأة، بالإضافة إلى حجم تأثيرها فى محيطها.
فالمرأة، ببساطة، هى الأم ومُعدّة ومخرجة الأجيال، وكما يقول أحمد شوقى فى بيته الشعرى الأشهر على الإطلاق:
الأم مدرسة إذا أعددتَها ... أعددتَ شعباً طيب الأعراق
ولن أذهب بعيداً عن هذه النقطة، ولكن على صعيد آخر نجد مقالاً للكاتبة «ميا بلوم» على موقع: «middle east institute» رصدت فيه أنه ما بين عامَى 1985م و2010م كانت قد شاركت النساء فى أكثر من 257 عملية انتحارية، أى بما يعادل 25% من العمليات الإرهابية فى جميع أنحاء العالم، كما أشارت كذلك إلى أمر فى غاية الأهمية يجب أخذه فى الحسبان، وهو أن الأدبيات المتعلقة بالمرأة فى الجماعات الإرهابية المتطرفة قليلة نسبياً، حيث إنه من الصعوبة التوصل لفهم تفاصيل المنظمات التى تشجع عضوية النساء بها. وأرجعت الكاتبة هذه الفجوة المعرفية -بشكل جزئى- إلى الصعوبات التى يواجهها الباحثون فى رحلة محاولة حصولهم على معلومات من المجنَّدات فى تلك التنظيمات المتطرفة، لأنه من أجل مقابلتهن يجب الحصول أولاً على موافقة من الأوصياء عليهن (فكرة الولىّ) من الرجال. وهذا فى حد ذاته قد يصبح أمراً مستحيلاً فى كثير من الأحيان.
ولعلى أتساءل وأنا متعجبة جداً مجدداً: لماذا لا نتعامل حتى الآن مع هذا الموضوع الخطر (وهو علاقة المرأة بالتطرف) بشكل أكثر جدية وفاعلية وتأثيراً؟! ألا يستحق الأمر بذل مزيد من الجهد والوقت؟! أم أننا نعيش بمعزل فى سلام وأمان ولا نعانى، مثلاً، من ويلات وتبعات التطرف المخرب لمجتمعنا؟! هذا النوع من التطرف الذى يسيطر على أهم وأغلى ما فى الإنسان (قلبه وعقله) ويدمرهما تدميراً.
إن خطورة وجود المرأة وانتمائها إلى الجماعات المتطرفة لا تكمن فقط فى دورها فى جذب الرجال إلى الانضمام إلى تلك الجماعات، كما هو منتشر بشكل جزئى، وإنما هو أن تصبح المرأة هى الحاضنة لذلك الفكر المتطرف بحكم تأثرها السريع، وقوة غريزة الأنوثة فى التأثير على الرجال.
ولحديثنا بقية..