فى تحرك ينبغى تثمينه بشدة.. أصدر الرئيس تكليفاً للحكومة منذ أيام بإلزام أصحاب المبانى بطلاء الواجهات بلون موحد بدلاً من كتل الطوب الأحمر التى تبدو مؤذية للعين.. والتى تتناثر بغير نظام فى كل مكان.. وهو قرار على الرغم من بساطته إلا أنه فى رأيى من أفضل ما تم اتخاذه من قرارات للتغلب على العشوائية والقبح اللذين استشريا فى جنبات الوطن منذ فترة ليست بالقصيرة..!
الأمر ليس بالفريد أو العجيب.. فهو نظام معمول به فى الكثير من دول العالم.. أذكر أننى حين زرت تونس منذ أكثر من عشرين عاماً كان أكثر ما لفت نظرى أن المبانى والعمارات كلها مدهونة باللون الأبيض.. والتى كانت تمنح مع الخضرة الطبيعية التى تفترش الجبال هناك شكلاً مبهراً.. ربما كان ذلك المنظر هو ما استقر فى ذهنى ورسم الانطباع لدى نحو تلك الدولة الصغيرة ذات الطبيعة الجميلة..!
وفى كوبنهاجن عاصمة الدنمارك هناك قرار يقضى بدهان المنازل الموجودة بجوار الميناء بثلاثة ألوان فقط هى الأزرق والأصفر والأحمر.. لذا تشعر أنك تسير فى كرنفال مبهج بالرغم من برودة الجو.. بل إن الصور السياحية المتداولة للعاصمة الدنماركية تظهر دوماً تلك المنطقة المبهجة كرمز للمدينة..!
إن الشكل الجمالى للمبانى فى أى دولة هو ما يرسخ الانطباع على تحضرها ونظافتها.. هو ما يجعلك تظل تذكرها مهما مر الزمن.. هو الارتباط الشرطى الذى يجعلك تتذكر المكان أو المدينة التى تزورها..!
المشكلة أن البعض ينظر إلى الأمور كلها بمنظور مادى فقط.. ويترجم كل ما يتم اتخاذه من قرارات إلى ما سوف يدفعه من أموال نتيجة له.. لذا فهناك البعض الذى اعترض على القرار بحجة أنه سيكلف أصحاب المبانى بتكلفة إضافية.. رغم أن التكلفة زهيدة جداً بالمقارنة بأسعار البناء.. فصديق يعمل بالتشطيبات أخبرنى أن عشرة آلاف جنيه كافية لدهان واجهة مبنى متوسط الارتفاع بالكامل!!
لا يفكر أحدهم فى النتيجة النهائية التى ستعود على الحى أو المدينة التى يسكن بها.. وقطعاً لا يدفعه خياله إلى التفكير فى ما هو أبعد من ذلك.. فلا يفكر فى تأثير القرار على الارتقاء بالذوق العام.. وعلى المظهر الحضارى الذى تسعى إليه الدولة.. ولا حتى على تأثير القرار على حركة السياحة فى المناطق المجاورة للمزارات السياحية تحديداً!!
أحد أساتذتى العظام الذى يقطن فى مدينة الإسماعيلية منذ زمن بعيد ذكرنى بتجربة الدكتور عبدالمنعم عمارة فى تلك المدينة الجميلة حين كان محافظاً لها.. وكيف أنه أصدر قراراً بدهان كل المنازل باللون الأبيض.. وقتها تحايل الكثيرون على القرار بأن استخدموا بعض «الجير» المتناثر على الواجهات للهروب من ذلك الشرط.. وانتهى الأمر بمنظر لا يسر أحداً على الإطلاق..!
أخشى على القرار من التحايل الذى قام به مواطنو الإسماعيلية فى الماضى.. لذا فهناك اقتراح تم تداوله من البعض أن يتم إسناد طلاء المبانى الموجودة بالفعل إلى شركات الدهانات الكبرى كبداية.. على أن يتم إلزام أصحاب المبانى «الجديدة» فقط بطلاء الواجهات.
الأمر يعتبر مشاركة مجتمعية جيدة من تلك الشركات فى المقام الأول.. على أن يتم السماح لهم باستخدام نسبة من المسطح الذى يتم طلاؤه للإعلان لنفسها..
الأمر سيحقق الفائدة المرجوة.. دون أن يكلف المواطن شيئاً.. وسيحقق لتلك الشركات دعاية شبه مجانية عن منتجاتها..
ربما كان على الحكومة أن تتبنى اقتراحاً كهذا.. فهو يحقق النتيجة المرجوة.. ويدحض كل الاعتراضات التى ظهرت ضد هذا القرار.. الذى أعتبره بداية لحرب جديدة.. ضد القبح والعشوائية!