هذا حديث فى الجد وليس الهزل..
هذا حديث عن مستقبل البلاد والعباد وليس عن احتفال جرى هنا أو هناك..
هذا حديث عن بلد يتآكل وعى أبنائه فيتآكل معه الانتماء..
هذا حديث باختصار شديد عن المستقبل.. لا عن ماضٍ ولا حتى عن حاضر..
لم يكن استقبال بعض المصريين لحفل عقد قران حفيدة الملك السابق إلا فى حدود الفضول الذى يستهوى الكثيرين.. قلة حاولت استغلاله ككل مرة للإعلان عن عدائها للنظام الجمهورى المصرى الذى أسسه أبناء الجيش العظيم عام 53 بعد ثورة يوليو بعام.. هذا العداء وبالسير على خط واحد.. يعنى الطعن فيما تم منذ عام 52 إلى اليوم.. والدولة المصرية الحديثة ومنذ نشأتها بإعلان الجمهورية تستمد شرعيتها من النظام الجمهورى وبالتالى من ثورة يوليو.. الرئيس السادات حاول تأسيس شرعية جديدة أطلق عليها «شرعية أكتوبر» إلا أنه هو نفسه عاد وجدد الثقة فى ثورة يوليو وشرعيتها.. وجدد انتماءه لها واعترف بخطئه فى التعاون مع أشد أعدائها.. لكن كان الوقت قد فات!
الرئيس مبارك سار عكس اتجاه يوليو تماماً.. تخلص من ممتلكات المصريين التى بنوها بدمائهم وعرقهم فى قطاع عام كبير وضخم، وازداد التشابك مع المصالح الأمريكية إلى حدود أضرت بمصر جداً.. ومع ذلك.. ورغم ذلك.. لم تمر مناسبة ذات صلة إلا وأكد فيها انتماء نظامه لشرعية يوليو وأن وجوده استمرار لها.. ولذلك يدرك الجميع أن الوحيد الذى جاء وكان خارج هذا السياق هو محمد مرسى وحده..!
ولأن السياسى اختلط بالوطنى.. الانتقام وتصفية الحسابات مع «عبدالناصر» وما فى ذلك من السعى لتشويهه والإساءة إليه تم دون الانتباه إلى أنه يجرى بالإساءة للوطن نفسه وتاريخه.. فثورة يوليو مثلاً التى أنهت احتلالاً دام عشرات السنين وغياب مصر كلها لمئات السنين سرقها حكم الأجانب والغرباء، نقول هذه الثورة ليست ملكاً لجمال عبدالناصر.. ولا النظام الجمهورى الذى أعاد الحكم للناس بعد أن ظل لفترة طويلة لأسرة جاء مؤسسها من بلاد غير البلاد وبلغة غير اللغة وبمقاصد غير مقاصد الشعب.. حتى لو بنى وأسس الكثير.. على العين والرأس كله.. لأن معيارنا فى الأخير هو عائد أى شىء على أبناء البلد الأصليين.. وفرق كبير بين بناء مجد أمة وبناء مجد أسرة! انتهت بنا وبهم إلى مأساة كبيرة باحتلال بريطانى دام سبعين عاماً!
وقرار استعادة قناة السويس ليس ملكاً لجمال عبدالناصر لنطعن فى صحته أملاً فى تشويه صاحب قرار تأميمها.. ولا السد العالى ملك لعبدالناصر.. لنشكك فيه أملاً فى التشكيك فى صحة قرارات صاحب قرار إنشائه! ولا الإصلاح الزراعى الذى أعاد أرض المصريين التى صادرها محمد على لتصبح ملكاً له وحده.. ورثها أولاده من بعده ومنهم من منح بعضها لمن عمل معهم أو حتى لمن ساعد الخديو ضد «عرابى».. ونشأت ملكيات حرام أعادتها الثورة لأصحابها الحقيقيين.. ولذلك ليس الإصلاح الزراعى ملكاً لعبدالناصر لكى يتم تشويهه رغبة فى تشويه صاحبه.. وهكذا!
لا نقول ذلك لمنع الناس أن تنتقد.. فأبناء الإقطاعيين من حقهم الطعن فيمن أخذ منهم فائض ممتلكاتهم.. وهكذا.. إنما القصد أنه لا يصح أن تفعل الدولة المصرية نفسها ذلك وهى الأمينة على التاريخ وعلى الشرعية.. وبخلاف أن ذلك يحدث من إعلاميين أو صحفيين فى مؤسسات وطنية المفروض أن تفعل العكس، إنما أيضاً عدم وجود تصور لمواجهة آثار الإعلام الإخوانى الذى اعترف «السادات» بخطئه فى التعاون والتحالف معهم، لكن مر 38 سنة على الاعتراف دون التصدى لهذا الإعلام الشرير الخبيث الذى يغذى فكرة تبييض الفترة الملكية لتكون وبمفهوم المخالفة طعناً فيما جرى بعد 52 كله! ونحن نتفرج!
الآن.. ما النتيجة؟ أجيال كاملة لا تعرف شيئاً عن تاريخها.. بلغ الحد ببعضهم إلى لعن تاريخها كله! والنتيجة أيضاً: أن البعض صار مشوشاً.. لا يرى فى تاريخه ما يدعو للفخر! إعلام الإخوان قال لهم إن تاريخهم كله هزائم ونكسات وتلاعب بهم وبمصالحهم.. ولأن الوعى فى أدنى مستوياته.. ولأن الإعلام لا يلعب دوراً فى التوعية بل العكس.. حتى اكتشفنا أن أحد رؤساء الإذاعة المصرية السابقين غارق لرأسه فى إعلام الإخوان ولا نعرف كيف كان مسئولاً عن الوعى فى مؤسسة وطنية عريقة أميناً على نظامها الجمهورى؟! المهم، والنتيجة لذلك: انتماء متراجع، ورغبات متزايدة فى الهجرة، تسرب السفارات المعادية أرقامها للتأثير على معنويات المصريين! والنتيجة: جزء شارد من هؤلاء يذهب لجماعات العنف! كرهوا بلدهم فيريدون تدميره! وكرهوا شعبهم فيستبيحون قتله! هنا نصل إلى سؤال المقال: ما يجرى الآن.. وبنفس الطريقة ونفس المنهج ونفس التساهل فى التعامل معه.. كيف نضمن عدم تكراره؟ «فاروق» أخرجته ثورة كتلك التى أخرجت «مرسى».. ثورة تعنى التغيير الشامل وعدم العودة للوراء وتغيير نمط التفكير للوصول إلى وعى مختلف.. صار ذلك لسنوات وتوقف ثم تراجع بسبب خطأ «السادات» الذى اعترف به.. فما الضمانة لعدم تكرار ذلك؟ ما الذى يضمن أننا وكما نحتفل ونهلل لملك معزول ومخلوع أن نعاود ونعود ونحتفل برئيس مخلوع ومعزول؟! ومن يحتفل بحفيدة المعزول الأول سيحتفل بحفيدة المعزول الثانى!! المعادلة تتكون من الشعب والإخوان.. الإخوان هناك.. موجودون فى المشهدين.. الأول انتقاماً من «عبدالناصر» وثورة يوليو.. فما ظنكم هم فاعلون مستقبلاً بالرئيس السيسى وثورة يونيو؟ خصوصاً أن بوادر تأمين المستقبل بالوعى لا تبدو فى الأفق؟!!!! شعبنا واحد.. وبقاء طريقته العاطفية فى التفكير واستمراره بغير وعى يصنعه الإعلام والتعليم، أى استمراره بلا حصانة ولا مناعة سيجعل المستقبل المخيف.. قاااتماً!!
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد!