«سطوة المال تصنع النفوذ»، هذا هو بيت القصيد القطرى من المنحة المقدمة إلى غزة، قطر توظف أموالها لخدمة أهداف سياسية تصب فى النهاية فى مصلحة إسرائيل، فالأموال القطرية مجرد بالون اختبار للفصائل الفلسطينية، وحركة حماس على وجه الخصوص، وهى أموال سياسية مقابل تحقيق الهدوء وليست إنسانية، وهو ما طلبه السفير القطرى محمد العمادى علناً أثناء زيارته إلى غزة، رغم زعم قطر أن المنحة المالية ستخدم مئات الآلاف من المواطنين الغزيين بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وكذلك ستنعش الاقتصاد وستعود بالنفع على كافة شرائح المجتمع، فهى تسعى لحلول دائمة ومستمرة لسكان القطاع بدافع الشعور بالمسئولية الأخلاقية والإنسانية بعيداً عن أى حسابات أو تفاصيل سياسية بحسب تصريحات السفير العمادى، فى حين أن هذه المنحة تصرف حسب قواعد وشروط محددة، مثلاً يشترط توزيعها يومى الجمعة والسبت لصرف رواتب الموظفين، وهى الأيام التى تخرج فيها المسيرات وتقام الفعاليات المرتبطة بها، وتهدف قطر من وراء ذلك إلى عزوف الناس عن التوجه إلى الحدود مقابل تسلم رواتبهم، فضلاً عن أن الأموال القطرية لم تشمل سوى موظفى «حماس» رغم أن موظفى السلطة يعانون بشكل كبير بعد العقوبات التى فرضها الرئيس عباس على غزة، كما أنها استثنت المئات من موظفى الحكومة بطلب من إسرائيل تحت حجج واهية.
الأموال القطرية هى نوع من الإذلال للمواطنين الفلسطينيين البسطاء فى غزة ومسيئة للشعب الفلسطينى رغم الحاجة الملحة إليها، وفى إطار الحاجة لا يمكن القول بأن المنحة القطرية غير ضرورية، رغم أنها تأتى فى إطار العبث بمصير ومقدرات سكان القطاع الذين يعانون العزلة والحصار، فالأموال القطرية لن تحدث فرقاً على الصعيد الاقتصادى ولن تغير شيئاً على أرض الواقع، والدليل على ذلك التفاصيل التى كشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بشأن التنسيق المشبوه بين حكومته وقطر التى تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية طلبت أن تكون لديها القدرة على أن تراقب عن كثب من يحصلون على الأموال الواصلة لـ«حماس» من «الدوحة»، وقد نالت ما أرادت بالفعل فى تأكيد على حجم التواطؤ القطرى، فتقديم مساعدات مالية مباشرة لـ«حماس» يتيح الفرصة أمام فرض رقابة إسرائيلية أكبر على الجهات التى تذهب إليها الأموال القطرية مقارنة بما كان يحدث عندما تتولى السلطة الفلسطينية تحويل المساعدات المالية بنفسها.
إن ما تفعله قطر يأتى فى سياق الدور السياسى الذى تمارسه فى المنطقة من منطلق دعمها للإسلام السياسى وتعزيز قوته، ومن خلال تبنيها للاستراتيجية التى أطلقها باراك أوباما، الرئيس الأمريكى السابق، ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون، فى الشرق الأوسط إبان ثورات الربيع العربى، القائمة على أن تجفيف منابع الإرهاب لا يمكن أن ينجح إلا بإنهاء الديكتاتوريات الحاكمة، وبالتالى العمل على دعم الحركات المدنية والأحزاب السياسية وتقوية الإسلام السياسى تحت ذريعة أن الديمقراطية تمنع الإرهاب، وبالقطع من كان وكيلاً لأمريكا ويعمل على تنفيذ هذه النظرية هو قطر التى أخذت على عاتقها دعم الإسلام السياسى مادياً وسياسياً ولوجيستياً، ومن هنا فإن الدعم القطرى لـ«حماس» يأتى فى هذا السياق الذى تحاول قطر من خلاله الحفاظ على نفوذها لدى الحركة واستخدام هذا النفوذ وقت الحاجة. فربما تضمن اتفاقاً مع حركة حماس بموجبه تقبل «حماس» بهدنة مع إسرائيل لا تقل عن خمس سنوات، فضلاً عن الحفاظ على نفوذ قطر لدى الإسلام السياسى فربما سيأتى الوقت، وقد يكون قريباً، لتكون هناك مفاوضات ويكون لقطر دور فى التسوية السياسية تمهيداً لتطبيق صفقة القرن.