نحتفل بالذكرى السنوية الثامنة لثورة الخامس والعشرين من يناير، فاذكروا محاسن ثوراتكم.. قبل استقرار الأوضاع، مرت مصر بمرحلة «السبوبات الثورية» حيث حالة شديدة ومتعثرة من الاستقطاب الحاد وغير المسبوق، وكانت أهم سبوبتين هما نفاق ثورة يناير من جهة والمتاجرة بها من جهة أخرى.. الطريقة الأولى تصنف مجرة درب التبانة وتبسطها إلى عناصر نمطية مثل: «تطبيل» و«فلول» و«عسكر» و«نشطاء»، مع ملاحظة أن الفئة الأخيرة كانت تسمى أيضاً «الشباب النقى» أو «أنقى شباب ثورى»، وقد تمت تنقيتهم بالفعل فى فلاتر الأحداث والمواقف إلى أُعدت خصيصاً لهذا النوع من حالات البارانويا المتقدمة والنرجسية المزمنة.. السبوبة الأخرى كانت شتم الثورة، حيث مصطلحات كثيرة مثل: «عملاء» و«خونة» و«طابور خامس» و«أجندة أجنبية» و«تمويل خارجى»، وهى سبوبة لا تزال قائمة ولا يراعى أصحابها أنه لولا ثورة يناير ما طفا معظمهم على السطح كطفو الجيف على صفحة الماء وحركتها مع أمواجه.
تسلسل أحداث يناير يكشف لنا بسهولة طبيعتها ويوضح أن ما يُطرح من فترة لأخرى من جماعة «المؤرخين» المنتشرين فى ربوع مصر، ما هى إلا جلسات نقاشية لا لزوم لها وجدالات طفولية من فئة لا تريد العمل للمستقبل وتفضل الظهور الإعلامى والشهرة الزائفة على منطق العقل الذى لو استخدمه الناس لأصبحت الفئة المذكورة أول المنبوذين.
بالمقارنة الساذجة بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو، يحاول البعض إدخالنا فى إشكالية «بتحب بابا أكثر ولا ماما»، ونحن شعوب لا تفضل التفكير، فما بالك لو كان تفكيراً مركّباً؛ فمن يحب الأهلى يكره الزمالك، ومن يعشق «طلال مداح» يبتعد عن «محمد عبده» وهكذا، وكأن «ليلى مراد» هى الوحيدة التى تحب اتنين سوا!!
ونلاحظ أن يناير هى ثورة شعبية لم يشارك بها بالفعل غالبية الشعب، وهذا طبيعى فى أى ثورة؛ حيث تقوم بها فى البداية طليعة من الشعب إلى أن ينضم لها الأغلبية (قارن بين أعداد المصريين فى الشوارع يوم التنحى وقبله بيوم واحد).. كما أنها لم تفرز أى شىء سيئ ولكنها كشفت النقاب عما كان موجوداً أصلاً، تماماً مثل رفع غطاء «حلة الضغط» فى أثناء طهو الطعام.
بدأت ثورة يناير كمظاهرات عادية. ثم تجلت الأعمال التآمرية المدبرة بوضوح فى «محرقة أقسام الشرطة» يوم جمعة الغضب (انضمت لها بالفعل قطاعات من الشعب أصحاب الثأر مع أجهزة الدولة).. وكذلك موقعة الجمل أوائل فبراير لإجهاض الآثار الإيجابية لخطاب مبارك العاطفى.. بعدها، وطوال فبراير، كنا بصدد الحديث عن ثورة شاركت بها نسبة بنقاء نفس، ونسبة أخرى بغرض الانقضاض على الدولة باستخدام النسبة الأولى.
انتهت ثورة يناير وفسدت، فى تقديرى، حين شربت «حاجة صفرا» اسمها استفتاء مارس، وتوالت بعدها المسكنات على طريقة خوازيق «سليمان الحلبى»، وأصبحت الثورة «سكرانة»، وأصبح شعار «الثورة مستمرة» معادلاً موضوعياً لصيحة «أنا جدع»!.. الخلاصة: مثلت ثورة يناير لبعض التيارات كلمة حق يراد بها باطل، وكانت حدثاً فريداً من نوعه، لا يجب اختزاله تاريخياً فى ثنائية العميل والطبال!