رفض الإمام الحسين مبايعة يزيد، فجاءته آلاف البيعات، فبلغت 14 ألف بيعة من أهل الكوفة يدعونه للثورة على يزيد ويستحثونه فى القدوم إليهم، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل، وفى المقابل أرسل عبيد الله بن زياد الأموى من يخذل الناس على الحسين ومسلم، فانفض الجميع عن مسلم، حتى إنه لم يجد من يدله على الطريق أو يؤويه، ولما دخل أحد البيوت أبلغوا عنه، فقُبض عليه وضربوه ضرباً شديداً.
14 ألف مبايع لا يجد بينهم نصيراً واحداً، بكى «ابن عقيل»، فقيل له: إن من يطلب ما تطلب «أى الثورة والحكم» لا يبكى إذا نزل به ما نزل بك، فقال: لا أبكى على نفسى، ولكن على الحسين، الذى سيقدم إليكم مع أهله.
وقد أرسل «ابن عقيل» رسالة إلى الحسين قبل القبض عليه يحذّره من القدوم: ارجع بأهلك، ولا يغرنك أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذين تمنى فراقهم، لكن الحسين لم يصدق الرسالة.
لما رأى الصحابة تصميم الحسين على الثورة والخروج، حاولوا إثناءه دون جدوى، حاول معه ابن عباس، وكان مثل أبيه خبيراً بالشعوب فقال «ابن عم، أهل العراق قوم غدر، فلا تقترن بهم، أقم فى بلدك حتى يعزلوا قادتهم، ثم أقدم عليهم، ولا تسرِ بأهلك وأولادك، فإنى أخاف عليك أن تقتل بين نسائك وأولادك مثل عثمان بن عفان».
أما «ابن عمر» فقال له «إن الله لن يجمع لكم النبوة والملك، وإنها ما زويت عنكم إلا لخيركم، والله ما يليها أحد منكم»، وكأنه عبقرى مثل أبيه يستشرف المستقبل كله، فلما أصر الحسين على رأيه عانقه باكياً «أستودعك الله من قتيل». ونهاه كذلك أبوسعيد الخدرى، وأبوهريرة، وجابر بن عبدالله الذى قال له «فى القتال، تستعلى أمة على أمة، ولا يجوز لآل البيت أن ينزلوا بأنفسهم منازل الهوان»، وقال له «لا تضرب الناس بعضهم ببعض».
كل هذه المحاولات المخلصة تكسّرت تماماً أمام إصرار الإمام على الثورة، فلما قدم الكوفة علموا بمقتل «ابن عقيل»، فأصر أشقاؤه على الثأر أو الموت.
لم يجد الحسين نصيراً واحداً من الـ14 ألف مبايع، تبخّروا جميعاً، فقال فى أسى «خذلتنا شيعتنا فمن أحب الانصراف منكم فلينصرف»، فبقى معه أهله وقومه الذين قتلوا جميعاً باستثناء النساء وزين العابدين ابنه، لأنه مريض ولم يخرج للقتال. استُشهد الحسين تاركاً دروساً كثيرة يضيق المقام عن بسطها، لكن أهمها هو خذلان هذه الآلاف له وتخليهم عنه.
أما «جيفارا» الذى ذهب إلى بلاد كثيرة لمساندة ثورات الشعوب، فقد سلمه إلى قاتليه راعى غنم، فلما سألوه عن سبب تسليمه، قال: «كانت حربه مع الجنود تزعج أغنامى».
أما محمد كريم، قائد المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية فى الإسكندرية، رغم ضعف إمكانياتها، فقد قُبض عليه، إلا أن نابليون أُعجب بشجاعته وأبقاه حاكماً للمدينة مع مساعده كليبر، لكنه أبى إلا المقاومة للمستعمر، فحكم عليه بدفع فدية قدرها 30 ألف ريال خلال يوم واحد وإلا أُعدم، فذهب إلى تجار المدينة، فرفضوا أن يعاونوه ويساعدوه فى دفع الفدية، فحزن لذلك ورفض دفع الفدية وأعدم رمياً بالرصاص.
الثوار فى كل ذلك لا امتنان لهم، ولا يحفظ أحد جميلهم، ولا يذكرهم الكثيرون فى زمانهم، وعادة ما يتخلى الناس عنهم، الثوار يُباعون بثمن بخس كما بيع يوسف بدراهم معدودة، وكما باع العراقيون الحسين ورسوله مسلم بن عقيل، فلم يجدوا أحداً ينصرهم.
التاريخ مخملى جميل، لكن الواقع الذى يعيشه الثائر المخلص أليم، والامتنان بين الناس قليل حتى للذين يريدون خيرهم وبرهم، الثائر مثل اللاجئ، يباع ويشترى، الثائر المخلص يضحى ولا ينال شيئاً، فالثورات يقفز عليها الأفاقون والمنافقون ويجنى ثمرتها الانتهازيون، ويقتل من أجلها الشرفاء من الفريقين.