رمتنى بما بها وانسلت!
هذا هو حال أصحاب الدعوة العنصرية، وحال دعوتهم الضالة الهاذية الضريرة، فهم أصلاء فيما يحاولون رمى الإسلام والمسلمين به!
فى كتاب «الإرهاب الغربى» للمستشرق الكبير «روجيه جارودى» الذى اختتم حياته العريضة باعتناق الإسلام، يتحدث عن «أسطورة الاستثنائية العبرية»، ويكشف حقيقة تاريخ العبرانيين وحقيقة دعواهم الكاذبة فى فلسطين. يقول: «وفى ضوء ما تقدم من علم الآثار، فإن تاريخ العبرانيين المزعوم كما أراد حاخامات دولة إسرائيل، الأكثر إظلامية، أن يستخدموه لتبرير ملكيتهم لما يعتبرونه أرضهم الأصلية التى وهبها الله لهم لا يظهر إلا كـ«أسطورة» محضة. وهذه هى كل الشرعية التاريخية لـ«دولة إسرائيل الحالية» التى يمكن أن توصف بوضوح بالأسطورية. وهذا وصف أعطاه لها المؤرخون الإسرائيليون الذين نستطيع أن نتذكر قولهم الجرىء: «لا يوجد منذ نشأة دولتنا حتى وقتنا الحاضر إلا أسطورة؟! فليس هناك أى دليل أثرى أو وثيقة غير توراتية تتيح لنا تأكيداً تاريخياً»، ويضيف أن الغرب يحاول أن يجعل من تاريخ القبائل العبرية «تاريخاً عالمياً» وما ذلك إلاَّ «مزيج تلفيقى».
- يقول «روجيه جارودى « فى كتابه المترجم إلى العربية: «تعتبر فكرة «الشعب المختار» أكثر الأفكار دموية فى التاريخ، فقد أوحت بعد تطعيمها بمعارك يوشع الأسطورية إلى الطَّهريين البروتستانت الإنجليز الذين وصلوا إلى أمريكا، باستئصال الهنود، وجعلت أحد البابوات يتساءل: ما إذا كان الهنود يتمتعون بروح كالبيض، ثم قسم أراضيهم بين إسبانيا والبرتغال، فهذه الفكرة إذن أساس الكثير من أنماط الاستعمار».
- وفى ختام الجزء الأول من كتابه يقول: «وهكذا بدأت عملية نهب 90% من الثروات المادية فى العالم التى انتهجها أولئك الذين يعيشون من أجل الثراء والقوة، وهذا هو ما نطلق عليه فى الغرب مصطلح «العصور الحديثة»، والمؤرخون مكلفون بنقل أيديولوجيته إلى الأطفال، ووسائل الإعلام مكلفة بنقلها إلى البالغين».
وغنى عن البيان ما أثبتته موسوعة الدكتور عبدالوهاب المسيرى الرائعة «اليهود واليهودية والصهيونية» من أن الكنعانيين نزحوا من شبه الجزيـرة العربيـة إلى فلسـطين «أرض كنعان» من أربعة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، قبل ظهور العبرانيين بزمن طويل، وأن الدعاوى الصهيونية فى فلسطين دعاوى كاذبة، روجت لها الصهيونية وآزرها الغرب سعياً لتحقيق مصالحه، بإزاحتهم والتخلص من ممارساتهم فى البلدان الأوروبية، وهى ممارسات أدت إلى طردهم أكثر من مرة من الدول الأوروبية، طردوا من إنجلترا سنة 1290م، وطردوا من فرنسا سنة 1306م واستدعاهم لويس العاشر سنة 1315م، ولكنهم طردوا مرة أخرى سنة 1322م، وطردوا من كولونيا سنة 1424م، وطردوا من أوجسبورج بألمانيا سنة 1439م، ومنذ سنة 1473م من وارسو سنة 1478م، وقبلها مارست اضطرابات ضدهم فى كراكوف (بولندا) سنة 1454م، وطردوا من قشتالة وأراجون حيث نعموا بالحرية فى الأندلس الإسلامية، وذلك الطرد كان بعد تصفية المسلمين من مملكة غرناطة، وطردوا من ليتوانيا سنة 1495م، ومن البرتغال سنة 1496م، ومن نورمبرج بألمانيا سنة 1499م، ومن براندنبرج بألمانيا سنة 1510م، ومن براغ ونابولى سنة 1541م، ومن جنوة سنة 1550م، ومن باڤاريا سنة 1551م، وأمر البابا بعزلهم داخل الجيتو سنة 1555م، وطردوا من الولايات البابوية سنة 1569م، وطردوا مرة أخرى من الولايات البابوية فى إيطاليا سنة 1593م، ومن فرانكفورت وورمز بألمانيا سنة1616م، ومن هامبورج الألمانية سنة 1649م، ومن البرازيل سنة 1664م، وبدأت ثورات العبيد والسكان الأصليين ضد يهود «اليودين سافانا» فى برز دينتس أيلاند سنة 1692م.
واحة الإسلام المفترى عليه
فى الوقت الذى لاقى فيه اليهود من دول العالم ما أوجزناه، نعموا فى الدول العربية وفى مصر وفى الأندلس الإسلامية بالحرية والمساواة، وظهر منهم علماء ملأوا الدنيا مثل موسى بن ميمون وله معبد يهودى بالقاهرة، ومن تبوأوا المناصب العليا على ما تقدم فى الدولة الفاطمية وفى مصر، وما تمتعوا به فى مصر من مناصب لعل أظهرها تولى «موسى قطاوى» باشا وزارة المالية المصرية أكثر من مرة، وتمتع أثرياؤهم، صيدناوى مجرد مثال، ببحبوحة كبيرة فى مصر التى مارسوا فيها أعمالهم وتجارتهم فى حرية كاملة، ولم تنشأ الحساسيات إلاَّ بعد زرع الكيان الصهيونى فى فلسطين والبدء فى قتل أهلها وتهجيرهم قسراً من بلدهم!
ما أردت أن أقوله إن التحميل على القرآن الكريم والتهجم عليه بدعوى ملاحقة اليهود ومعاداة السامية، هو تحميل أحول أعور، ترك ما يستوجب التفكير والمراجعة إن لم يكن المساءلة، وقد شهدت محاكمات نورمبرج جانباً مؤلماً ومؤسفاً مما تعرض له اليهود فى ألمانيا النازية. ليس الإسلام إذن ضد اليهود أو اليهودية كدين، وما ورد عنهم من نقد أحياناً فى القرآن الكريم ينصرف إلى ممارسات مع أنبيائهم قبل الإسلام، وأخرى لاحقة جرت فى عصر النبوة وامتدت إلى النكث بالعهد، والتآمر ضد المسلمين فى بدر وفى غزوة الخندق التى حوصرت فيها المدينة من الأحزاب بقصد القضاء على الإسلام وقتل رسوله، بل وحاولوا قتل الرسول عليه السلام غدراً على نحو ما تقدم بيانه، فالنقد ينصرف إلى معنيين معينين محددين فى زمن محدد، فالإسلام لا يعرف توريث الخطأ أو الخطيئة، وكلٌ مسئولٌ عما يفعل، فلا تزر وازرة وزر أُخْرَى، وكل امرئ بما كَسَبَ رَهِينٌ، وكل إنسان ألزمه الله تعالى طائره فى عنقه، ليُسأل عما فعل لا عن ما فعله أجداده أو ما يفعله سواه، فأين القرآن الكريم المفترى عليه من هذا كله، وهو دين المحبة الإنسانية والسماحة والمساواة والإخاء؟!
أنبياء بنى إسرائيل بين العهد القديم، والقرآن الكريم
نسب سفر التكوين من العهد القديم أمراً إداً إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، وأنه حين نزل مصر خاف أن يؤدى جمال زوجته (سارة) إلى قتله واستبقائها، واتفق معها أن تذكر أنها أخته كيما يصيبه من ورائها خير. قال سفر التكوين:
«وحدث جوع فى الأرض، فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع فى الأرض كان شديداً. وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراى امرأته: «إنى قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر. فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه امرأته. فيقتلوننى ويستبقونك. قولى إنك أختى، ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من أجلك. فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جداً. ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى أبرام خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال. فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة أبرام. فدعا فرعون أبرام وقال: ما هذا الذى صنعت بى؟ لماذا لم تخبرنى أنها امرأتك؟ لماذا قلت: هى أختى، حتى أخذتها لى لتكون زوجتى؟ والآن هوذا امرأتك! خذها واذهب!» (التكوين 12: 10 19).. ثم عاد العهد القديم، فنسب إلى إبراهيم عليه السلام ذات الصنيع فى واقعة أخرى، فجاء بالإصحاح العشرين من سفر التكوين أن إبراهيم «انتقل إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرَّب فى جرار (بلدة بين مصر وفلسطين) وقال إبراهيم عن سارة امرأته هى أختى، فأرسل (أبيمالك) ملك جرار وأخذ سارة. فجاء الله إلى (أبيمالك) فى حلم الليل وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التى أخذتها، فإنها متزوجة ببعل، ولم يكن (أبيمالك) قد اقترب إليها. ومضى الإصحاح العشرون ليقول إن (أبيمالك) اعتذر بأنه تصرف بحسن نية لأنه قيل له إنها أخته لا زوجته وهى نفسها قالت ذلك، ثم إن (أبيمالك) راضى إبراهيم بأن أعطاه غنماً وبقراً وعبيداً وإماءً، ورد إليه سارة امرأته.
(للحديث بقية)