سمة حقائق لا بد من استحضارها تتعلق بزيارة الرئيس الفرنسى ماكرون إلى مصر قبل نحو أسبوعين، وتعطى مؤشراً بأن تسميم الأجواء كان إجراءً مع سبق الإصرار والترصد.
منها أن إحدى الصحف الفرنسية -لعلها لو فيجارو- صدرت قبل مجىء ماكرون إلى مصر وعلى صفحتها الأولى مانشيت يقول: جدل حول حقوق الإنسان بين ماكرون والسيسى، وكان هذا الأمر غير مفهوم من الجريدة.
وقد بدأ ماكرون -نزولاً على رغبته- زيارته إلى مصر من أسوان، بينما كان يقف مبهوراً بالرسومات الفرعونية على حوائط معبد أبوسنبل، أطلق -ولا أحد يعرف سبباً لذلك- تصريحاً عن تدنى حقوق الإنسان فى مصر.
وقد سبقه هذا التصريح الغريب إلى مصر التى عقد فيها اتفاقات وبروتوكولات ومذكرات تفاهم عمّقت العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا، وشملت مجالات الطاقة والنقل والتعليم والتجارة البينية.
وفى المؤتمر الصحفى، الذى جمعه بالرئيس السيسى، تراجع «ماكرون» عن تصريحه ذلك وقال بالحرف الواحد: إنها حالات فردية لبعض المدونين ومدمنى التواصل الاجتماعى، وهو لا يعرف عن أحوالهم الكثير، ولا يريد أن يسمّم هؤلاء أجواء التآخى والمصالحة التى عمّت مباحثات الدولتين.
والحق، فإن الرئيس السيسى كان مخلصاً وشفافاً عندما نصحه بأن حل هذا الإشكال يكمن فى شىء واحد، هو أن ينظر ماكرون إلى مصر بعيون مصرية وليس بعيون أوروبية، فمصر توجد فى منطقة مضطربة كما يعلم الجميع، وهى تعانى مشكلة العشوائيات، وتولت بناء مساكن مجهزة لنحو 250 ألف أسرة كانوا يعيشون فى ظروف غير آدمية، ورفع الظلم عنهم هو نوع من حقوق الإنسان، التى يجب أن يتمتعوا بها، فمصر المستقبل لن يبنيها المدونون، لكن تُبنى بسواعد أبنائها الذين ينعمون بالأمن والأمان والاستقرار.
وتحدث رئيس الدولة عن باقى التحديات التى تواجه مصر الجديدة فى كل المجالات، ولم ينسَ أن يشير إلى بعض الإنجازات التى قام بها فى ربوع مصر وتستهدف الأمن والأمان للشعب المصرى.
والحق يُقال إن تراجع الرئيس ماكرون لم يخفّف الأجواء التى خلقها بتصريحه الأرعن، وكان الأولى به ألا يرشق مصر بالطوب، بينما يُلاحَق شعبياً بضرورة رحيله بسبب مظاهرات السترات الصفراء التى تراه رئيساً للأغنياء فقط، وأن نسبة الفقر زادت بسبب سياساته التى قلصت كثيراً من القوة الشرائية.
ولا شك أن تعامل حكومته العنيف مع المتظاهرين وسحلهم فى شوارع باريس وإجبارهم بعد الاعتداء عليهم على ركوب سيارات الشرطة ينافى كل معايير حقوق الإنسان.
والحق فإن تصدير الأزمات إلى الدول الأخرى نظرية قديمة كانت معروفة فى حياة الاستبداديين فى كل عصر، لكنها أصبحت أثراً بعد عين، وبدون شك فإن تسميم أجواء الزيارة إلى مصر وتنفيذ إملاءات أخرى قد أخذ بسمعة ماكرون، وقلل من أهمية فرنسا الحرية والإخاء والمساواة.