فى الثلاثاء الماضى، التاسع والعشرين من يناير، أعلن الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى عزمه إجراء تحقيقات بشأن الجهاز السرى لتنظيم الإخوان. وقال السبسى، فى تصريحات صحفية: إنه يجب التأكد من وجود هذه الذراع السرية لسلامة الأوضاع أولاً، وثانياً للتأكد من ضلوع الإخوان فى الاغتيالات من عدمه. وأضاف: «رغم رغبة بعض الأطراف فى التعتيم على ذلك لضمان دعم «النهضة» فى الانتخابات المقبلة (على الأرجح فإنه يقصد رئيس الحكومة يوسف الشاهد».
وقد جاءت تصريحات السبسى بعد نحو ثلاثة أشهر من إعلان هيئة الدفاع عن المناضلين التونسيين «الشهيدين» شكرى بلعيد «يسارى» ومحمد البراهمى «قومى عربى»، ما قالت إنه وثائق حصلت عليها وتؤكد أن شخصاً مرتبطاً بحركة النهضة التونسية «إخوان تونس» ويدعى مصطفى خضر لعب دوراً فى جمع معلومات ذات طابع استخباراتى عبر «تنظيم سرى خاص» يسعى إلى اختراق المؤسسة العسكرية والأمنية فى تونس وأيضاً جمع معلومات عن الصحفيين، وأن له ارتباطات بتنظيم «أنصار الشريعة» المحظور، وأضافت هيئة الدفاع أن هذا الجهاز السرى يعمل على بناء منظومة أمنية موازية واستقطاب القضاة وتتبع العسكريين إلى جانب التعاون مع «الإخوان المسلمين» المصرية والحصول على معلومات عن المؤسسة العسكرية الجزائرية، وغيرها من المعلومات المهمة التى قالت هيئة الدفاع عن «الشهيدين» إن جزءاً منها موجود فى ما سمته «غرفة سوداء» فى وزارة الداخلية، وطالبت بفتح تحقيق فى هذه المعلومات وضم أوراقها لقضية اغتيال «بلعيد» و«البراهمى».
وبعد هذا الكشف وقبل إعلان السبسى فتح التحقيق كشف السبسى عن أنه تلقى تهديدات من قبل حركة النهضة الإخوانية بسبب لقائه مع هيئة الدفاع عن الشهيدين «شكرى» و«البراهمى».
على هذا النحو ووفقاً لهذا التسلسل فإن احتمالات صدق ما كشفت عنه هيئة الدفاع عن «بلعيد» و«البراهمى» تتزايد خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار الهجوم الشرس الذى شنته وسائل الإعلام الإخوانية على هيئة الدفاع عن الشهيدين والقوى السياسية والحزبية التى ينتميان إليها متهمين تلك القوى بأنها تحاول أن تغطى فشلها السياسى بإطلاق «الشائعات» على حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشى، ولحين انتهاء التحقيقات «هذا إذا تمكنت سلطات التحقيق من ممارسة عملها ونجت من إرهاب النهضة متعدد المستويات»، دعونا نتناول المسألة من زاوية تاريخية.. فهل سبق لإخوان تونس من قبل تشكيلهم لجهاز من هذا النوع؟ وهل لتنظيم الإخوان الأم فى مصر سوابق فى تشكيل جهاز سرى لجمع المعلومات ليكون بمثابة جهاز مخابرات الإخوان؟
فى الواقع، فإن الإجابة عن هذين السؤالين لا تحتاج لعظيم جهد فيكفينا مراجعة تاريخ التنظيم فى مصر منذ نشأته وكذلك إلقاء نظرة سريعة على تاريخ التنظيم فى تونس ودور زعيمه راشد الغنوشى لتأتينا الإجابة.
ولكى نكون منصفين فلن نلجأ لكتابات أعداء الإخوان ومعارضيهم بل سنتصفح بعضاً من مذكرات قيادات الإخوان فى مصر وتونس لنقف على حقيقة الوضع. ففى كتاب «النقط فوق الحروف» للقيادى الإخوانى أحمد عادل كمال نقرأ، فى الصفحة 166، وتحت عنوان «مخابرات الإخوان»: «وكان يتبع النظام الخاص قسم يبدو أنه أنشئ مبكراً فأدخل بعض إخوان النظام فى الأحزاب والهيئات الأخرى بمصر حتى نكون يقظين لما يجرى على الصعيد السياسى وكان من بين الأمثلة الناجحة فى هذا الشأن العضو أسعد السيد الذى انضم لحزب مصر الفتاة حتى وصل إلى الحرس الحديدى الذى أنشأه زعيم الحزب أحمد حسين لحمايته».
هكذا بكل وضوح يشكل الإخوان جهازاً مخابراتياً خاصاً تكون مهمته التجسس على الأحزاب السياسية الأخرى، «وهل قالت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمى غير ذلك؟».
ولم يختفِ هذا الجهاز المخابراتى الإخوانى فى أى مرحلة من عمر التنظيم بل حتى بعد وصول ممثل الإخوان إلى رئاسة الجمهورية فى مصر كانت المساعى متواصلة لخلق هذا الجهاز الأمنى المخابراتى الموازى، ولأن الفرع التونسى يتبع الأصل المصرى فقد كان لإخوان تونس نفس النهج وذات السلوك ويكفينا مراجعة ما قاله راشد الغنوشى بنفسه بعد عودته لتونس فى فبراير 2011 بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن على وتوعده معارضيه بأنه يعرف عنهم الكثير، وفيما مارس الغنوشى ضغوطاً لصرف تعويضات ضخمة لعناصر حركته بعد الثورة التونسية ليعيدوا معه تشكيل تنظيمه بأفرعه المختلفة بما فيها جهاز مخابراته الخاص كان هو يتلقى التمويل السخى من قطر وأذرع التنظيم الدولى فى تركيا حسبما كشف القيادى الإخوانى المنسحب من التنظيم فريد التيفورى.