تصعيد «روسي - أمريكي».. «حرب باردة» جديدة بشأن «الصواريخ النووية»
بوتين وترامب
بعد نحو 5 أشهر من الخلافات بين الدولتين، بدأت بتلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية بين بلاده وروسيا، ثم تحديد شروط للاستمرار بها، تشهد الخلافات، اليوم، تصعيدا متبادلا بين الدولتين، بإعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، انسحاب موسكو من المعاهدة في غضون 6 أشهر، حسبما أفادت قناة "العربية" في نبأ عاجل. وأكد لافروف أن ردهم على الانسحاب الأمريكي من اتفاقية الصواريخ "متناسق".
وجاء ذلك بعد 5 أيام، من إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، انسحاب بلاده رسميا من معاهدة حظر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الموقعة مع الاتحاد السوفيتي عام 1987 بدءًا من 2 فبراير.
"معاهدة الصواريخ النووية".. معاهدة أُبرمت بين واشنطن وموسكو خلال فترة الحرب الباردة، أي قبل 31 عاما، نصت على إلغاء فئة كاملة من الصواريخ الجوالة والباليستية، التقليدية والنووية ذات المدى المتوسط، يتراوح مداها بين 500 و5 آلاف كيلومتر.
وقع المعاهد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، مع الزعيم السوفيتي الراحل ميخائيل جورباتشوف في ديسمبر عام 1987، في واشنطن؛ لتكون المعاهدة الأولى والوحيدة من نوعها بين القطبين، ووصفت بـ"التاريخية"، وفتحت الطريق لعهد جديد في العلاقات بيت الكتلتين الشرقية والغربية إبان الحرب الباردة، حيث تعهدتا للمرة الأولى بتدمير فئة كاملة من الصواريخ النووية في معاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى.
في أكتوبر الماضي، لوح الرئيس الأمريكي ترامب مرتين، بأن بلاده ستنسحب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، قائلا: "إن روسيا لم تلتزم مع الأسف بالاتفاقية ولذلك سننهي هذه الاتفاقية وسننسحب منها".
وبعد نحو 30 يوما من التلويح بالانسحاب، أعلنت الولايات المتحدة إمهال روسيا 60 يومًا لإنهاء ما تعتبره واشنطن "انتهاكا" منها لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى، وإلا فإنها ستبدأ الانسحاب من المعاهدة، بعدها خرجت أندريا تومسون مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي، معلنة أنه على موسكو إلغاء صواريخها القادرة على حمل رؤوس نووية من طراز "9إم.729" وقاذفات تلك الصواريخ، أو تعديل مداها، لتجنب انسحاب الولايات المتحدة منها، مضيفة: "إما أن تتخلصوا من النظام ومن القاذفات أو تغيروا النظام حتى لا يتخطى المدى".
الدكتور محمد فراج أبو النور الكاتب والمحلل السياسي والخبير بالشؤون الروسية، أرجع إعلان موسكو، اليوم، الذي أعقب تجميد واشنطن لالتزامها بالمعاهدة، إلى أنه جاء كرد على ترامب بشأن تصريحاته بالانسحاب، في سياق تصعيده في "سباق التسلح" الذي تحاول أمريكا أن تفرضه على روسيا، لإنهاك قدراتها الاقتصادية المعروف بأنها غير جيدة مقارنة بالولايات المتحدة، التي تمتلك ميزانية عسكرية ضخمة تصل إلى نحو 750 مليار دولار، هذا العام، وهو ما يعادل جميع ميزانيات الدفاع بدول العالم مجتمعة، على حد قوله.
وأضاف أبو النور، لـ"الوطن"، أن ذلك السباق سيرهق الاقتصاد الروسي للغاية، الذي يسعى حاليا لمواجهة سباق التسلح الأمريكي بأسلحة ذات تكلفة قليلة، من أجل خلق التوازن بينها مع الولايات المتحدة، بما يمثل عنصر الردع النووي، موضحًا أن ذلك مفهوم يتلخص فيه قدرة الطرف الذي يتلقى الضربة الأولى على توجيه ضربة انتقامية تدمر الخصم.
تنتشر في غرب البلاد عدد من الصواريخ متوسطة المدى المعروفة باسم "إسكندر" الروسية المنصوبة في منطقة كالينجراد، والتي تمثل تهديدا للقواعد النووية الأمريكية في أوروبا، حيث يمكن أن تدمرها حتى ألمانيا، وفي الوقت نفسه ترفض موسكو أن تتقدم عليها واشنطن بالدرع الصاروخي تجاه حدودها، الذي تسعى من خلاله رد أي ضربة، وفقا لـ"أبو النور".
وتابع أن روسيا كانت تجري عددًا من التجارب لتطوير أسلحتها، وفي مارس 2018، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ابتكار مجموعة من الصواريخ والأسلحة الجديدة فائقة السرعة باسم "فوق الصوتية" التي تصل سرعتها إلى 10 أمثال وحتى 20 مثل فوق الصوت، ولديها قدرة التخفي عن الرادارات، إضافة إلى غواصات نووية دون قائد قادرة على حمل صواريخ نووية أيضا ولديها الصفة الشبحية، وتستطيع أن تظل تحت الماء فترة طويلة جدا، بـ"تكلفة غير باهظة"، وهو ما ترجمته أمريكا بالقدرة على تدميرها، لذلك لوح ترامب بالانسحاب من تلك المعاهدة نكاية في بوتين.
وبعد الانسحاب الروسي والأمريكي من الاتفاقية المبرمة بينهما، رجح الخبير في الشؤون الروسية أنه سيندلع سباق تسلح ضخم بين البلدين، بنشر شبكة جديدة من الصواريخ الأمريكية متوسطة المدى في أوروبا تستطيع أن تصل لقلب روسيا، وبالتالي ستتخذ موسكو موقفا مماثلا، حتى لا تعلن واشنطن تفوقها عليها، وهو ما يعني أن بوتين سيظهر في تحميل اقتصاده ضغوطا كبيرة مستقبلا.
وستصبح أوروبا ساحة للحرب النووية المحتملة بين البلدين، وستواجه خطرا أمنيا كبيرا، وأزمة حقيقية على السلام العالمي، وهو لن يتوقف إلا بتراجع ترامب عن انسحابه من تلك المعاهدة وما سبقه من اتفاقيات مماثلة، في رأي أبو النور.