أطماع إسرائيلية.. وأحلام «تركية - قطرية».. وأهداف إيرانية.. و«القاهرة» تواجه «محور الشر» داخل القارة السمراء
رئيس الوزراء الإسرائيلى فى زيارة لجنوب افريقيا
«أفعال شيطانية» تدور حول تحقيق أهداف ومصالح شخصية دفعت بعض الدول التى تعتنق «الفكر الاستعمارى» بشكله الحديث إلى التوجه نحو القارة السمراء «أفريقيا» التى مثلت المادة الخام لممارسة مثل هذه الأفعال، فى وقت تراجع فيه الدور المصرى الذى وصل إلى قمته فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتدهور فى عهد الرئيس السادات إلى أن وصل إلى مرحلة القاع فى عهد «مبارك»، حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى محاولاً إعادة الدفة تجاه الدول الأفريقية مرة أخرى كما كانت فى سابق عهدها.
«إسرائيل».. أولى تلك الدول التى سعت للتغلغل على فترات للقارة الأفريقية لأهداف عديدة، لذلك لم تكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى يوليو عام 2016، لعدد من دول شرق ووسط أفريقيا مفاجئة لمن يتابع النشاط الإسرائيلى فى القارة، والتى حملت فى طياتها مطالبة بأن تصبح إسرائيل عضواً مراقباً فى «الاتحاد الأفريقى» فى خطوة من شأنها تعزيز العلاقات وتطبيعها مع دول القارة، فضلاً عن إبرام الكثير من الاتفاقيات بين تل أبيب وتلك الدول، وذلك إلى جانب إلحاق الإضرار بالأمن القومى العربى، خصوصاً المصرى، والذى بالطبع يبدأ من ناحية الجنوب، فكانت أبرز الخطوات الإسرائيلية فى هذا الاتجاه «استثمارها فى سد النهضة الإثيوبى».
ومن جهة أخرى، تأتى «إيران» التى ربطت استثماراتها فى القارة السمراء بتحقيق أهدافها فى نشر المذهب الشيعى، وهو الأمر ذاته الذى فعلته «تركيا» فى تحقيق أهداف رئيسها باتخاذ خطوة تجاه إعادة الإمبراطورية العثمانية الأردوغانية من خلال دعمه للحركات الإرهابية المرتبطة بجماعة «الإخوان» الإرهابية، وتشارك أنقرة «قطر» المتبنية للفكر نفسه والذى وضع حاجزاً بينها وبين الدول العربية.
«المنيسى»: تركيا تدعم حركات متطرفة.. و«طهران» تربط استثماراتها بـ«نشر التشيع».. و«خميس»: آليات العودة اختلفت عن عهد «ناصر».. وعلينا استخدام القوى الناعمة والتنسيق العربى
ومع محاولات إعادة الدور المصرى فى السنوات الأخيرة، تقف أمام مصر العديد من العقبات والتى تتمثل فى مواجهة نفوذ محور الشر فى القارة السمراء «إسرائيل وقطر وتركيا وإيران». الدكتور كرم خميس، الباحث فى العلاقات الدولية، يقول إن الأدوار فى أفريقيا متعددة وهناك أكثر من محور تنافس لمصر داخل القارة بنوعيه الدولى والإقليمى الذى تمثله إسرائيل، مضيفاً: «منذ سبعينات القرن الماضى سحبت مصر يدها من أفريقيا نسبياً، فى الوقت الذى احتاجت فيه إسرائيل العون المعنوى، وكان عبارة عن كسر المقاطعات المفروضة عليها بعد عام 1967»، لافتاً إلى أنه فى هذا الوقت قطعت دول أفريقية كثيرة علاقاتها مع إسرائيل عدا عدد محدود جداً.
وأضاف «خميس»، لـ«الوطن»، أن إسرائيل نجحت آنذاك بالفعل فى كسر مسألة العزلة الدبلوماسية ومسألة الاعتراف بها، وتابع: «ما أنفقته إسرائيل فى القارة السمراء لم نستطع نحن أن ننفقه فى ظروفنا الاقتصادية التى كانت موجودة، فهى أنشأت مستشفيات ومزارع بتكنولوجيا متقدمة، والأمر الآخر هو أن إسرائيل استغلت مناطق محددة تسوق لنفسها فيها وتصلح لذلك من الدرجة الأولى، ووفرت أموال تبرعات وتعويضات لم تتعب فيها إسرائيل من الأساس، كما أن الإمكانيات التكنولوجية هى متميزة فيها من الأساس».
وتابع: «بالنسبة لمصر لا تمتلك تلك الإمكانيات، وحتى الإمكانيات التى كنا نمتلكها لم نستغلها آنذاك وهى القوى الناعمة، فلم يعد هناك طلبة أفارقة يأتون إلى مصر بالدرجة الكافية، ولم تكن هناك أدوار اجتماعية داخل أفريقيا، فإسرائيل تفوقت بما تملكه»، مضيفاً أن مصر فى الأعوام القليلة الماضية بدأت فى الانتباه للمسألة، ولكنها تركز الآن على دول حوض النيل كمرحلة أولى ومن بعد ستأتى الدول الأفريقية بالتدريج. وقال إن «مصر لن تنافس إسرائيل تكنولوجياً فى القارة، ولكننا سنذهب بما نملكه وهو الحضور بالتاريخ والعطاء القديم والدبلوماسية الشعبية والقوى الناعمة، فضلاً عن أن مصر صاحبة حق فى القارة من الأساس ولكن إسرائيل ليس لها أى من الحقوق»، مؤكداً أن مصر بدأت فى الفترة الأخيرة فى اتخاذ خطوات على مستوى الدبلوماسية الشعبية التى ذهبت إلى إثيوبيا، بجانب أدوار «القاهرة» فى منطقة القرن الأفريقى، بجانب تكتل البحر الأحمر مع السودان والسعودية، الأمر الذى يعد خطوة إيجابية.
وأوضح أن هناك اختلافاً بين فترة «عبدالناصر» والفترة الحالية، ففى تلك الفترة كانت هناك حركة تحرر وطنى، ومن الطبيعى أن يكون هناك نوع من الحوار بين المصالح ضد المستعمرين، سواء كانت فرنسا أو بريطانيا، إلا أنه الآن عندما تتوجه إلى دولة تدعوها للحد من التدخل والنفوذ التركى لن تستجيب لك لأن تركيا فى الصورة تستثمر أمام تلك الدولة وتبنى اقتصاداً بعيداً عن المصالح الخفية.
السفير محمد المنيسى، سفير مصر الأسبق فى قطر، يرى أن الدور المصرى فى أفريقيا يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى والأهم هى عهد جمال عبدالناصر والذى كان له دور مهم، مشيراً إلى أن اسم «ناصر» هو من منع إتمام اتفاقية «حوض النيل» التى روج لها الجانب الإثيوبى، عندما رفضت وزيرة خارجية الكونغو، قائلة: «لا يمكن أن أعمل على أمر يمكن أن يضر بلد جمال عبدالناصر»، وذلك بعد موافقة 5 من أصل 7 دول على تلك الاتفاقية.
وأضاف «المنيسى»، لـ«الوطن»، أن «عبدالناصر» كان الداعم الأساسى لكل حركات التحرر فى أفريقيا، فكانت فترة حكمه أفضل فترات العلاقات المصرية - الأفريقية والتى كانت وطيدة، إلا أن الرئيس «السادات» كان يسير على خط سلفه بـ«أستيكة»، فابتعد بمصر تماماً عن أفريقيا، حتى جاءت محاولة اغتيال «مبارك» فى أديس أبابا، التى جعلته يبتعد تماماً ويوقف التوجه نحو الملف الأفريقى، فتلك الفترة هى كانت منحنى العلاقات حتى وصلت إلى مرحلة الحضيض.
وثمّن سفير مصر الأسبق فى قطر دور الرئيس «السيسى»، لأن عهده مثّل منحنى آخر، وهو عودة العلاقات المصرية - الأفريقية مرة أخرى، متمنياً أن تصل إلى نفس الدرجة التى وصل إليها جمال عبدالناصر الذى ألغى باسمه بعد كل هذه السنوات اتفاقية من شأنها إلحاق الضرر بمصر.