تختبرنا الحياة بالأفراح والأتراح، تتبدل أحوالنا بين بسمة وعبوس وبين فرح وشجن وأحزان وقلق وخوف، تمضى الأيام بنا ونتقدم بالعمر والوظيفة والحياة والخبرات، ونتراجع بالصبر والقوة والأمل، ذلك أن الأمل يحتاج طاقة وعزماً ومقاومة كبيرة، ومع استهلاك أرواحنا وأعصابنا ربما عزَّ هذا الصديق الرائع (الأمل) أو فارقنا، وفى فراقه عذاب كبير، بل إنه من أصعب الأمور على النفس البشرية، فغيابه يحجب أشعة الشمس ويُطفئ ضوء القمر، غيابه لا يسمعنا الألحان بل نراها ضجيجاً وقرقعة أصوات لا لزوم لها ولا تزيد أعصابنا إلا توتراً وأفكارنا تواتراً متعباً منهكاً.
غياب الأمل لا يُرينا ما نمتلك من نعم، وتبدأ عيوننا بالذبول وأرواحنا بالخمول وأنفاسنا بالتباطؤ وكثرة التنهدات التى بالكاد تلتقط ما بقى من أكسجين لم يحترق بزفرات اليأس والملل وانتظار الأفضل!! انعدام الأمل يصعب كل الأمور ويعقدها ويُغَيّبُ معه كل جميل، لكن الجميل بالأمر وأكثر ما يبعث على الأمل ويقشع اليأس هو الإيمان، الإيمان بوجود الله وبأنه لا يترك عباده للألم طويلاً، وبأن أى ظلم سوف ينقشع، وأى خوف سوف يزول، وبأن الاجتهاد سوف يوصل يوماً للحلم، وبأن ظلام الليل يتلوه فجر مضىء باسم لمن يبتسم بوجه الدنيا، حتى وإن كانت دنياه قاسية صعبة!
الإيمان يملأ صاحبه بالأمل والمحبة والبهجة، والأمل يعمر القلوب بالإيمان، الأمل بجزاء الصبر يمدنا بالصبر ويجدده إن نفد من الأرواح، الأمل يجعل العينين تلمعان والدماء تتدفق بالشرايين والعقل ينبض بالأفكار، الأمل كما هو موجود بالإيمان وبوعود الله فى كتبه ورسالاته لعباده، فقد أوجده سبحانه أيضاً فى العبر والمعانى التى نراها فى حياتنا وحياة أناس من حولنا، فى قصص تحول الفقراء إلى أثرياء والمرضى إلى أقوياء متعافين، والعاجزين إلى قادرين والعاديين إلى مشاهير ونجوم ومميزين!
فى كل لحظة ولقطة فى الكون عبرة ومعنى وأمل لمن أراد أن يرى ويستشعر الأمل، من مصادر الأمل أيضاً قلوب الطيبين النافعين للناس والساعين لخير البشر والإنسانية، الذين يسهلون حياة الآخرين ويقضون حوائج الناس ويساعدون من يحتاج ومن لا يحتاج، فالأمل مُعْدٍ، لهذا اقتربوا من الباسمين المستبشرين ولو كان بهم (خصاصة) إلا أنهم يؤثرون الآخرين على أنفسهم ويستمرون بنشر الأمل ومحو الألم لسماحة أنفسهم وأصالة معادنهم ونقاء قلوبهم وجميل خصالهم، الأمل بياض يكتسح سواد وبؤس العالم، الأمل حلم أبيض يقضى على كوابيس البشر وشرور الكون، الأمل نبات مثمر بأرض مباركة، إن زرعته يوماً بروح غيرك ونثرته على الآخرين، عاد إليك ثمره يوماً ما، وذقت حلاوته ونعمت بحصاده، وإن فرغت روحك منه يوماً سوف تجد من يربت على كتفك، معطياً إياك الكثير منه، فالأعمال الطيبة لا تضيع، والله لا يضيع أجر من يحسن عملاً.
الهموم عدوة الأمل والمشاكل تقتله وتقتلنا معه، لهذا وجب علينا جميعاً مساعدة بعض ونفض الأحزان عن من يشاركوننا هذا العالم، من يستطيع إزالة شوكة من جاره فلينزعها دون تردد، من يستطيع أن يساعد غيره فليساعد بقدر استطاعته، وإن كانت المساعدة بالكلمة الطيبة أو بدعوة صادقة تبلغ عنان السماء.
الأمل صديق (للأحلام وطموحات للغد الواعدة)، وعدو (لندبات وجروح وانكسارات الأمس)، وعدو أيضاً (لانتصارات وأمجاد قديمة ضائعة)، الأمل شمس تطال أشعتها جميع الناظرين إليها، ومن يفهم حكمة الدنيا والحياة يكون لديه يقين ثابت بأن الأمل لا ولن يضيع من الدنيا إلا بنهايتها. أمدنا الله جميعاً بأجمل أمل وبحسن العمل وجميل النوايا وأنبل الصفات لنكون من ناشرى ومستقبلى الأمل والآمال.