ابنى الأكبر خبير اقتصادى فى شركة ديلويت (Deloitte) البريطانية، وهى شركة دولية للاستشارات الاقتصادية سألته عن نصائحه للاقتصاد المصرى كى يتعافى ويجذب الاستثمار الخارجى. وشركته تضع الخطط الاقتصادية للدول وتقدم لها المشورة، وكان هو ومجموعته قد قاما حديثاً بالنصح للسعودية لإعادة هيكلة اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على البترول، فقال لى بوضوح إن الاستثمار الخارجى يحتاج ثلاثة مقومات مهمة، أولاً تطبيق القانون العام للشركات common law، وهو القانون الدولى أو الإنجليزى، ويتم التحاكم فيه أمام محاكم مصرية سريعة الحكم وبدون خلط القانون المحلى للشركات مع القانون العام، ثانياً: العمالة المدربة، وهى حالياً غير متوافرة فى مصر. وفى حال عدم وجودها يجب تسهيل إجراءات التأشيرات لاستقدام مديرين ومدربين من الخارج لتدريب وخلق العمالة المدربة وما زالت إجراءات التأشيرات للعمل بمصر معقدة، وثالثاً: تبسيط إجراءات إنشاء الشركات دون الحصول على عشرات الموافقات حتى ولو كانت من شباك واحد، كما تقول مصر الآن، وضرب لى مثلاً بأستونيا التى جعلت تأسيس الشركات على النت، وفى دقائق معدودة، لأن تأسيس الشركة الذى يأخذ أكثر من يوم واحد يعتبر معقداً وبطيئاً بالمقارنة بدول العالم! حاورته حول موقعنا على خريطة العالم، فقال: هو بلا شك موقع جيد، قلت: البنية الأساسية والأمن والاستقرار. قال: أى مستثمر يعتقد أن كل هذه الأمور بديهية وإلا لماذا تطلب استثماراً من الأساس إن لم تكن تملكها. قال: لا مانع من المراقبة بعد ذلك، ولكن بشفافية ووضوح، فالمستثمر الكبير يريد رؤية الأمور واضحة تماماً وضوح الشمس من البداية وبدون غموض وبشفافية كبيرة وبدون تغيير غير متوقع وبضمانات حماية الاستثمار، سألته: ما هو أسوأ ما يمكن أن تقع فيه دولة من ناحية الاستثمار الخارجى؟ قال أن تعتقد أنها جديرة بالاستثمار، وأن المستثمر يريدها بالذات ويموت عليها! فالمستثمر أمامه منافسة عالمية على التسهيلات ودول عديدة مفتوحة على مصراعيها بدون وجع دماغ، فلماذا مصر بالذات أو السعودية والإمارات دون غيرها، لذا يجب علينا المنافسة وبشدة. قلت: السوق عندنا كبيرة مائة مليون. قال: المستثمر الكبير لا تهمه بالضرورة سوقك، فسلعته عالمية يسوِّقَها فى كل العالم وربما يربح أكثر من سوقك، علماً بأن مصر تضيف جمارك ترفع من سعر السلعة بشكل كبير. قلت: يعنى فيه أمل؟ نظر إلى، وضحك، وقال: طبعاً فيه أمل، ولكن يجب الجرأة فى التغيير كما شرحت والتفكير بطريقة العالم وليس بطريقتك، وإلا لن يحضر إليك مستثمر حقيقى وستبقى تتجرع الوهم. قلت له: شكراً على الروشتة المجانية سأوصلها، وتركته يسافر عائداً إلى عمله.. يا رب حد يسمع!!!
السطور السابقة هى حوار للعالم المصرى د. أسامة حمدى، الأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية مع نجله الخبير الاقتصادى الدولى، وأرسله لى بعد أن قرأ مقالى السابق «استثمر فى مصر» حول حملة وزارة الاستثمار للترويج الخارجى والداخلى لجذب مستثمرين جدد.
رأيت نشر الحوار كاملاً لتوصيله للمسئولين، كما وعد نجله ربما يكون مفيداً لبلدى وأنا أعلم جيداً بجهود الحكومة الكبيرة للنهوض بالاقتصاد وتحسين مستوى معيشة المواطن الذى ما زال يعانى ويحلم بالحياة الكريمة، وتحيا مصر.