من أكبر مظاهر الخلل فى جماعة الإخوان المسلمين تقديم التنظيم على الفكر، وترويض الأتباع على طاعة القيادات أكثر من تدريبهم على تقويم القيادات ونقدها، ونجحت الجماعة فى ترسيخ هذا المفهوم، حتى صار العضو يتعبد إلى الله بتنفيذ القرارات، كما قال السيد/ مهدى عاكف فى حواره مع «الوطن» عدد 2/5/2012، معتمدة على أمرين: الأول ظاهرى، وهو «طاعتنا لقيادتنا فى غير معصية»، والثانى: باطنى وهو: «لا تعترض؛ لأن الإخوة فى مكتب الإرشاد يفهمون ما لا أفهم ويعرفون ما لا أعرف».
على أن هذه الطاعة وإن تكن معصية شرعية؛ لكنها معصية تربوية؛ لأنها تقتل ملكات النقد والاعتراض، وتغتال روح البناء لحساب القيادة المعصومة، ولذلك عمدت قيادات الإخوان على أن تكون ثقة القاعدة فى أفرادهم وشخوصهم، وبالتالى تسرى هذه الثقة فى اختياراتهم السياسية، بدلاً من أن تبدأ الثقة فى المواقف الفكرية والسياسية أولاً، ثم تسرى على شخوصهم ثانياً، لكن ستظل -فى تقديرى- عقيدة: «سأطيع؛ لأن الإخوان فى مكتب الإرشاد يعرفون ما لا أعرفه»، هى العقيدة التى تحافظ على التنظيم من الانشقاقات، وهذا يفسر لنا كيف أن الجماهير الإخوانية دافعت عن عدم ترشيح الإخوان لمنصب الرئيس، ودافعت عن ترشيحهم، ورأت المظاهرات تعطيلاً للإنتاج، ثم رأتها ضرورة ثورية واحتفت باستفتاء مارس ثم حاربته.
وهكذا الدفاع عن الموقف ونقيضه لأن: «الإخوة فى المقطم والمنيل يعرفون ما لا أعرف، ويفهمون ما لا أفهم، ويرون ما لا أرى»، وهذه العبارة صارت ذريعة للقاعدة للتغاضى عن أخطاء القيادات، وإجهاض آلية المحاسبة، فضلاً عن مسخ شخصية المتلقى.
ثم إن التلبيس بالاستشهاد بآيات قرآنية لتبرير التصرفات كما يفعل المرشد كثيراً، جعل العلاقة بين رأس التنظيم وقاعدته تتحول من المجال البشرى القابل للاختلاف والمراجعة إلى مجال التقديس والتسليم.
أما التلبيس الأكبر، ففى رسالة «التعاليم» للإمام البنا، حيث يؤكد أن السمع والطاعة للقيادة دون مناقشة من أركان البيعة، واعتبار الأوامر الصادرة من القيادات قاطعة لا مجال فيها للجدال، وأن يكون الأخ مستعداً لأن يفترض فى نفسه الخطأ وفى قيادته الصواب حتى إذا تعارض مع ما تعلمه.
البنا نبه فى مقدمة رسالته إلى أن كلامه مقصور على وقت الحرب والجهاد فقط، وليس موجهاً للإخوان فى الظروف العادية كالاختيارات السياسية والفكرية، إذ إنها تقبل المناقشة والمراجعة، إلا أن الإخوة طبعوا الرسالة وحذفوا تنبيه البنا فى مقدمته ليظهر كلام البنا موجهاً للقاعدة فى السلم والحرب.
الدكتور رشاد بيومى -أيضاً- له مقال بموقع الإخوان يقول فيه: «إن اشتداد الصراع بين الحق والباطل مستمر ليوم الساعة»، ثم يؤكد أن التنظيم هو الحق المطلق؛ لأن الجماعة تتبع «المنهج الربانى»، ويقول: «أطمئن الجميع بأن إخوانهم القائمين على الأمر عند حسن الظن، ومؤهلون بدرجات علمية عالية، على دراية بكل الوسائل العلمية قديمها وحديثها».
مهم هنا أيضاً كلام الشيخ القرضاوى فى مذكراته دار الشروق، حيث قال ما نصه: «الإخوان المسلمين عندهم ضعف فى الجانب الثقافى والعلمى، كانوا يدربوننا على السمع والطاعة، فهم يريدون جنوداً مطيعين لا دعاة مثقفين، كأنما كان هناك خوف عند الإخوان من القراءة والثقافة أن تنشئ العقلية المتمردة، التى تقول: فيمَ؟ ولماذا وكيف؟ ولا تقول: سمعنا وأطعنا، كان ذلك الهاجس هو السبب فى وهن الجانب الفكرى عند الإخوان، وكان مصدر ثقافتهم مقالات ودروس البنا فقط، فإذا شغلت البنا الشواغل الوطنية والإسلامية خوى وفاضهم، ونفدت بضاعتهم، وقل المعروض فى سوقهم، فكان ينبغى عليهم أن يهتموا بهذا؛ لكن للأسف لم يفعلوا بل لم يفكروا مجرد تفكير فى ذلك».
لهذا لم يقبل الانتظام فى الجماعة مفكرون كبار كالغزالى وسيد سابق والقرضاوى وسيف عبدالفتاح ووهبة رءوف.
وبالتالى عملت القيادات على أن تبدأ ثقة جماهيرهم فى أفرادهم وشخوصهم، وبالتالى تسرى هذه الثقة فى مواقفهم الفكرية والسياسية، بدلاً من أن تبدأ الثقة فى المواقف الفكرية والاختيارات السياسية، ثم تسرى على الأشخاص،
ومن هنا فإننى أذهب إلى أن الجماعة لن يحدث لها انشقاق مؤثر طالما أن عقيدة: «لا أعترض؛ لأن الإخوة فى مكتب الإرشاد يعرفون ما لا أعرف» لم تتغير.