بدايةً فإن الإعلام يتحمل مسئولية هذا الانفلات؛ لأنه صنع من هذا الشيخ وأمثاله شيئا، عندما اهتم به وبكلامه، وقد قرأت فى «اليوم السابع» و«الوطن» و«الأهرام» و«الشروق» وغيرها: الأزهر يقول كذا، فأرجع إلى التفاصيل، فإذا الأزهر هو رأى هذا الشخص! وما الشخص المذكور إلا واعظ بالدقهلية، وليس عضوا بلجنة الفتوى.
لا يعنينى التوقف عند هذا العبث، المسمى تجاوزا «فتوى» إهدار دم المتظاهرين، وإن كان من العدل محاكمته للتحريض على قتل متظاهرين أسوة بمحاكمة من حرض على قتل الرئيس، لأنهما كلاهما محرض على إهدار دم، ولكن أتوقف عند معنى يبدو بعيدا لكنه مهم للغاية، وهو ما حدث للحضور بعد انتهاء موعظته.
فثمة اتفاق بأن الفتوى نفسها لا تحتاج إلى كثير رد، والأزهر والإخوان منها براء، لكن الأخطر هو مستقبل الخطاب الدينى، لأن المدعو هاشم إسلام وأمثاله هم التطبيق العملى (المعكوس) للحديث الشريف: «إن خيار عباد الله من هذه الأمة من إذا رأيته ذكرت الله»، فهو ممن إذا سمعتَه صرفك عن الله، وفتنك فى دينك.
وأضرب على ذلك مثالين:
الأول: كنت فى طريقى لمقابلة أستاذ لى بمبنى رئاسة جامعة الأزهر، فرأيت وقفة للعشرات من أعضاء هيئة التدريس يطالبون بحقوقهم المادية، وقام هاشم إسلام متحدثا بينهم، فلعن شيخ الأزهر وأباه، وسب شخصه ومقامه، وشتم علمه وخلقه، ووصفه بالمنافق المعادى للدين، ووصف المفتى وشيخ الأزهر أيضا بأنهما من الداعين إلى العهر والزنا والفسق والفجور (هذا نص كلامه)، فوقعت بكلامه الفتنة، حيث قاطعه أستاذ بكلية العلوم، وقال له يا دكتور: ما جئنا لهذا، نحن نحترم الأزهر وعلماءه، ولكن لنا حقوق مادية نطالب بها، فقام واحد معترضا ومؤيدا لكلام هاشم، فحدث اشتباك، وتعالت الأصوات بالسب والشتم بين أعضاء هيئة التدريس، ووصل الأمر إلى أن مد أحدهم يده على أخيه، فرأيت من يبكى حزنا من شدة الموقف المُهين بين الدكاترة.
وما قطع هذه الفتنة إلا أذان الظهر، فلما اصطف
المصلون، تقدم هاشم ليصلى، وهو الوحيد المعمم بين الحضور، فاعترضوا على إمامته، فوقع اشتباك آخر من نوعية الاشتباك الأول.
ثم سأله واحد: يا دكتور هاشم.. حضرتك معنا فى أى كلية؟ فذكر اسمه، فقلتُ له: يسألك عن كليتك لا عن اسمك، ثم كررت السؤال قائلا له: الواقفون جميعا أعضاء هيئة تدريس، أنت تعمل عضوا فى أى كلية؟ فهرب منى، لأنه ليس عضوا معهم، بل اندس بينهم، وسمح لنفسه أن يُقدَّم على أنه «دكتور»، والمتشبع بما لم يعط كلابسى ثوبى زور كما جاء فى الحديث.
الموقف الثانى: ما شاهدناه من اشتباك وتخاصم وتناحر فى النادى الدبلوماسى بعد موعظته.
أرأيتم الفرق بين من يدعوك بمنهج النبوة فترى معه سمو الأخلاق، ويذكرك بالله، وبين من إذا تحدث أوقع الفتنة، فلا بالله ذكّرك، ولا بمنهج النبوة علّمك، ثم لم يدعك على حالك، بل أحدث شقاقا بين الأستاذ وزميله والأخ وأخيه.
وسياسيا فإن فتواه لا تخدم الإخوان، بل تضرهم، والجماعة لا تحتاج إلى هذه المبالغة فى النفاق، بل تحتاج لمن يدعو أنصار 24 أغسطس إلى الصبر والتفرغ للإنتاج، لا من يهدر دمهم، فيكسبون بفتواه أنصارا جددا.
وعلميا، فالمدعو لا تُعرَف له جملة تتسق وصحيح اللغة، واللغة أول آليات الفتوى، فهو يعشق رفع المنصوب ونصب المجرور وتحريك الساكن، ثم يقدم نفسه على أنه واعظ باللغة العربية والفرنسية، ويبدو أنه يقصد بالعربية لغة غير التى نعرفها.