لم يحدث أن شهدت مصر حالة تعصّب رياضى مقيت كما نشهد هذه الأيام، من توافر لكل عناصر الغل والكراهية والانتقام، وانتشار رموز التحريض والكيد الرياضى وإثارة الضغينة فى النفوس، وجمهور جاهز لا يحتاج إلى مواد اشتعال، بل هو «مُشتعل» جاهز، قابل للانفجار فى أى لحظة.
متابعة بسيطة لأى منافسة فى بطولة الدورى، والتدقيق فى وجه أى لاعب يحرز هدفاً ترصد حالة انفعالية غضبية شديدة تؤكد عمق ما فى النفوس من توتر، أو لاعب يعترض على قرار حكم فينظر إليه بـ«تكشيرة» تُشعرك بأنه سيطعنه بسكين، أو مُعلق على المباراة يصرخ «حرام عليك يا رجل»، وهو يقصد قراراً للحكم لا يعجبه، أو يرى أن الحكم خاطئ، فيطلق صيحة كفيلة بتفجير مشاعر الملايين.
رموز رياضية بارزة لا تكتب إلا حروفاً من نار، تمارس بها الكيد الرياضى مع منافسيها، وتُلقى بالزيت على النار، غير آبهة إلا بمشاعر سعادة تنتابها، حتى لو كانت على حساب الملايين من البشر، أو على حساب دولة من الممكن أن تشتعل جراء هذه المكايدة الوضيعة.
قيادات رياضية لا تنظر للحالة بعيون المسئول قدر ما تبحث عن أنسب القرارات لاكتساب قلوب المشجعين والاستماع إلى آهاتهم، فتصدر من القرارات ما هو كفيل بزحزحة الحجر من مكانه، لتعلو آهات الإعجاب، وفى الحقيقة هى نيران تشتعل على مهل فى هذا البلد.
حتى النجم الرمز الحيى الخجول محمد صلاح حين أبدى اندهاشه وذعره مما يحدث فى الوسط الرياضى وتدخل مستخدماً مكانته فى القلوب، وداعياً الناس للعودة إلى أخلاقنا الحقيقية والهدوء والتوقف عن التدافع والتلاسن والاشتباكات اللفظية، ناله ما ناله من سخرية واستهانة به، فى إشارة تحذيرية إلى كل من يحاول إنقاذ هذا الوطن من فتنة رياضية تتفاعل على نار هادئة فى توقيت غير ملائم.
حتى المعلقين والمحللين أصبحوا باحثين عن الشعبية والمشاهدة، وبدلاً من التهدئة، إذ بنا نشاهد ضيوفاً وأسئلة كفيلة بإشعال الحرب بين الأندية التى هى المفروض متنافسة وإنما أحالها الواقع إلى متحاربة، لا تحكمها قاعدة اللعب العادل، إنما قاعدة الصراع والانتقام، وبدلاً من الحديث عن المنافس أصبحنا نتحدث عن الخصم بعد أن تحولت المنافسة إلى خصومة وصراع.
الحاصل أن المشهد الرياضى أصبح مشهداً سياسياً متناحراً بامتياز والإدارة الحاكمة بدلاً من أن تحكم تحولت إلى طرف فى معادلة الصراع، وأصبحت قراراتها جزءاً من أدوات إشعال الموقف بين أنصار كل نادٍ، ووسيلة لإذكاء نار الفتنة بين جميع الأطراف.
نحن فى احتياج إلى تدخلات من مستويات أعلى، ومن رموز قادرة على فرض التهدئة وغرس روح التسامح بين الناس، نحتاج إلى مبادرة أوسع شبيهة بمبادرة نجمنا صلاح.
الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.