فى كوكب الإمارات الشقيق، وضعت الحكومة نظاماً مثالياً لتنظيم العلاقة بين البائع والمشترى فى سوق العقارات.
يقوم هذا النظام على عدة عوامل؛ أولاً: لا تحصل الشركة البائعة من المشترى على أى أموال إلا بعد تنفيذ كافة بنود «عقد البيع»، ويتم فتح حساب يطلق عليه «حساب الثقة» يدفع المشترى فيه الأموال وفق الدفعات والأقساط المتفق عليها، ويديره طرف ثالث، ويسمح هذا الطرف للبائع بسحب الأموال فى حالة استقبال تأكيد من العملاء بأن الشركة التزمت بكافة بنود التعاقد.
ثانياً: تدشين تطبيق ذكى على الهاتف المحمول، يمكن من خلاله لأى عميل أن يتقدم بشكوى للحكومة من تأخر أى مطور فى تسليم الوحدة له، أو عدم التزامه بأى من بنود التعاقد المتفق عليها، وهنا تتحرك الحكومة بشكل فورى لاتخاذ إجراءات مباشرة ضد المطور، تصل إلى فرض الغرامات الكبيرة، وتجميد نشاطه، لحين الالتزام بالبنود التى تم الاتفاق عليها مع العملاء، وترضيتهم بشكل مناسب.
ثالثاً: وضع قواعد معلنة وواضحة حول شروط التعاقد ورسوم الخدمات المتعلقة بإبرام العقود وتسجيل الوحدات، وطريقة التعامل فى حالة نقل الملكية من المشترى إلى طرف آخر، بحيث لا يستغل المطور المشترى فى تحصيل أى رسوم غير قانونية، وتضع الحكومة ضوابط دقيقة للغاية لإجبار الشركات على الالتزام بهذه التعليمات.
ومع تطبيق العوامل الثلاثة السابقة، ستجد أن السوق العقارية الإماراتية، تتسم بأقل معدلات الشكاوى، وأعلى معدلات التطور والنمو على مستوى منطقة الشرق الأوسط ككل، فضلاً عن الاختفاء شبه الكامل للبلاغات المرتبطة بالنصب وتبديد الأموال فى إطار المعاملات العقارية.
وهنا، ليس عيباً أن نتعلم من الآخرين، ونحاكى تجاربهم الناجحة، ونبدأ من حيث انتهوا، بدلاً من «إعادة اختراع العجلة»، والبحث عن طرق وأساليب جديدة يمكن تطبيقها لحماية السوق، وتنظيم العلاقة بين المطور والعميل والحكومة.
الدولة المصرية تشهد حالياً حراكاً غير طبيعى على مستوى القطاع العقارى، والتنمية العمرانية، ومع التزام الحكومة بمستهدفات 2030 ستتسع مساحة العمران من 7.5% من مساحة الدولة إلى 15% فى غضون 11 عاماً من الآن، الأمر الذى يبشر باستمرار المسيرة الناجحة والاتجاه الصاعد للسوق العقارية خلال السنوات المقبلة.
وقدمت الحكومة تجربة رائعة فى المشروعات التى تديرها الدولة، وتوجهها لمحدودى الدخل والطبقة المتوسطة، على غرار مشروعات الإسكان الاجتماعى، من حيث وضوح التعاقد، والالتزام من كل الأطراف «البائع - المشترى - الممول» ببنود التعاقد، ولكن درجة التنظيم لم تكن على نفس المستوى فى مشروعات القطاع الخاص.
فعلى الرغم من انخفاض معدلات «النصب» والشركات الوهمية التى تسوِّق مشروعات لا وجود لها وتتقاضى مئات الملايين من المواطنين، فإن وجود هذه الظاهرة ولو بنسبة تقل عن 0.1% يؤثر بالسلب على سمعة السوق العقارية، وعلى مناخ الاستثمار فيها، ويضر ضرراً مباشراً بملف «تصدير العقار» الذى تعمل الحكومة على دعمه خلال الفترة الحالية فى إطار البحث عن مصادر غير تقليدية لجلب العملة الأجنبية، ودفع معدلات النمو.
وهنا يأتى دور الدولة، التى يجب أن تتعامل بكل حزم مع هذه الظاهرة، فى ضوء «تنظيم السوق» الذى يعد متطلباً رئيسياً من متطلبات «السوق الحرة» وحقاً أصيلاً للسلطات الحكومية فى أى مجتمع.
فأى تأخير من المطور فى تسليم الوحدة للمشترى، لا بد أن يترتب عليه جزاء فورى، وتعويض مناسب، على غرار الطريقة التى يفرضها المطور على المشترى، من إلزامه بدفع الأقساط فى مواعيدها، وإذا حدث تأخر يترتب على ذلك جزاءات تتضمن فرض فوائد إضافية، وتصل إلى فسخ التعاقد!
نعلم جيداً أن أى تأخر من «المطور الملتزم» يأتى فى نطاق ظروف خارجة عن إرادته، ولكن أى تأخر أيضاً من العميل يأتى فى نطاق ظروف خارجة عن إرادته!
كما أن هناك أيضاً مطورين غير ملتزمين بطبيعتهم، تحكم وعودهم أهداف تسويقية لزيادة المبيعات، وليس مبادئ الملاءة الفنية والمالية، والطاقة الإنتاجية القصوى.
نشيد جميعاً كمتخصصين فى الشأن الاقتصادى بقانون حماية المستهلك الجديد، ولكن فى الوقت نفسه نطالب بتشديد السياسات والإجراءات التى تستهدف تطبيقه، فما قيمة أى قانون لو سَهُل اختراقه، أو التلاعب به! وينبغى كذلك تشديد العقوبات المحددة فيه على المخالفين ووضع ضمانات كافية تمنع عدم تسويق المشروعات قبل تنفيذها.