لست من أنصار نظرية تمكين الفئات، ولكننى مع تمكين الكفاءات أياً كان جنسها أو عقيدتها وخلفيتها المهنية وعمرها الزمنى. بمعنى أننى لست مع كوتة المرأة أو المسيحيين أو ذوى الإعاقة أو إبعاد العسكريين عن المناصب. فقد أيقنت من التاريخ أن الكفاءة هى معيار الحكم، وآمنت بالدين أنها معيار الاختيار. ودائماً وأبداً أتوقف عند معايير اختيار الشخص للمنصب فى آيات نبى الله يوسف ونبى الله موسى، فحينما طلب يوسف المنصب من ملك مصر ليجعله على خزائنها برّر طلبه بأنه حفيظ عليم، وحينما أشارت ابنة شعيب عليه باستئجار موسى برّرت نصيحتها بأنه قوى أمين. وهكذا كانت معايير الاختيار التى اعتمد عليها نبى الله ومصطفاه صلوات ربى عليه حينما اختار عبدالله بن الأريقط ليصحبه والصدّيق فى رحلة الهجرة، رغم كونه كافراً لا يؤمن بالله.
ولذا توقفت عند أجزاء من نقاش حول تعيين المرأة كقاضية فى أحد برامج التوك شو منذ أيام. نقاش مكرر منذ عقود يلجأ له كل فارغ من المحتوى حينما تقل المتابعة ونحتاج لتسخين الحلقات وإثارة الجدل، ولكن كان لحديث ضيف الحلقة المحامى عصام عجاج ما استوقفنى لخروجه عن المألوف فى ذكر أسباب الرفض، فكثيراً ما سمعنا من يرفض لرفض فقهاء الإسلام الأوائل، وهناك من استند لحديث النبى صلوات ربى عليه «ناقصات عقل ودين» وتفسيره بشكل مغلوط، وغيرها من الأسباب.
أما ما ساقه الأستاذ عصام فكان جديداً. ودعونى أذكر لكم بعضاً منه. قال المحامى عن حقوق الناس إن الشهود الذكور قد يفتتنون بجمال القاضية فتحدث فتنة! أو إن المرأة قد تكون حاملاً فكيف تتحمل أعباء القضاء؟ أو إنها ربما تجلس بجوار عضو اليمين وعضو اليسار بشكل قريب وقد يحتاجان إلى وشوشتها فى أمر ما! أو إنها قد تضطر للاختلاء بهما للمداولة! أو إن المرأة دوماً بحاجة لمن يقضى لها مصالحها أو احتياجاتها لأنها عاجزة عن ذلك، فالرجال قوامون على النساء!
لم أملك نفسى وأنا أستمع لهذا الحديث سوى القول على طريقة الأستاذ يوسف بك وهبى: «يا للهول»، فالرجل ساق مبررات لا تعنى لى سوى زمن الحياة فى الكهوف دون إدراك للمحيط بنا فى الحياة ونحن ندخل أجواء الثورة الصناعية الرابعة. ما زال الأستاذ المحامى المدافع عن حقوق العامة يتحدث عن جلوس القاضية بين عضوَى يمين ويسار، بينما نساء مصر، قبل العالم، يتجاورن مع الرجال فى كل المهن وكافة المجالات، أدناها وأعلاها. يتحدث عن كيفية تولى المرأة للقضاء وهى حامل أو مرضع، بينما النساء فى مجالس نواب العالم ووزارات الدفاع والمالية يجلسن حاملات أطفالهن الرضع. يحدثنى عن الاختلاء فى العمل بين زملاء المهنة الواحدة بفكر صحراوى تغلب عليه بداوة الفهم للعلاقة بين القائمين على المهام. يقود المجتمع نحو الفهم الخاطئ للقوامة التى تعنى الاحتواء والاهتمام دون أن تعنى التميز أو التفضل كما أشاعوا لقرون.
وتناسى الأستاذ الفاضل أن بلقيس كانت درة حكمة أهلها من الرجال كما جاء بالقرآن الكريم. تشاورهم فى أمر سليمان بفكر المستمع للحجج، فينصحون بالحرب، فترفضها حكمتها بمبرر إهلاك الملوك للدول بالحروب، فتقرر زيارته وكسب وده. لا يحدثنى عن عائشة، المأمورين من نبينا بأخذ نصف ديننا منها. ولا يحدثنى عن الكثيرات ممن يُعتبرن قياساً واضحاً لفهم تولى المناصب.
ولذا فنحن لسن بحاجة لنقاش الفضائيات المجمد لحين تسخينه فى حلقات إعلانية، ولكننا بحاجة لوعى وقرار دولة حان وقت منحها الأمر لذوى الكفاءة بعيداً عن مسميات لم تمنحنا سوى الخسارة.