منذ ما يقرب من 20 عاماً، قرأ الرجل استغاثة الراحل الدكتور رؤوف عباس، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، عبر بريد القراء بجريدة «الأهرام»، تحت عنوان «التاريخ على قارعة الطريق»، لإنقاذ الجمعية، وما تقتنيه من أوراق ووثائق مهمة من الضياع، بعد طردها من مقرها بإحدى بنايات وسط القاهرة، لعجزها عن سداد الإيجار الذى تضاعف إلى ثمانية أضعاف، بعد صدور قانون إيجارات الأماكن غير المخصّصة للسكن.
اتصل الرجل على الفور بالدكتور رؤوف قائلاً: «لا يمكن لأحد أن يسمح بإلقاء تاريخ مصر على قارعة الطريق»، وطالبه بالبحث عن قطعة أرض تصلح لبناء مقر يليق بالجمعية، وهو ما تحقق فعلاً عام 2001 بافتتاح المقر الجديد متعدد الطوابق مؤثثاً ومجهزاً على أحسن ما يكون، وأصبح ملكاً خاصاً للجمعية التى تحولت إلى مؤسسة ثقافية، تعمل طوال اليوم، بدلاً من نشاطها المسائى فقط. وقبلها وعقب زلزال 1992، اتصل الرجل بالعالم الراحل الدكتور أحمد مستجير، عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة آنذاك، وسأله: هل أصاب «كليتنا» مكروه؟، وطمأنه الدكتور مستجير، وبعد أن لمس إصراره على المساعدة، طالبه بالمساهمة فى تطوير مكتبة الكلية، وإنشاء مركز أبحاث متطور فى علوم الهندسة الوراثية، وبالفعل أوفى الرجل بوعده، وتم افتتاحهما فى اليوم نفسه الذى افتتح فيه مقر الجمعية التاريخية.
تعدّدت إسهامات الرجل، وتبرّع بنحو 30 مليون جنيه لاستكمال المكتبة المركزية بجامعة القاهرة، ودعم البحث العلمى بها، كما تبرّع بمليونى دولار لترميم كلية الهندسة التى تضرّرت من اعتداءات جماعة الإخوان الإرهابية أثناء اعتصام النهضة عام 2013، وتبرّع بنحو 160 مليون جنيه لحساب معهد الأورام. مؤخراً، أعلن الرجل أثناء افتتاحه مركز التدريب بنقابة الصحفيين، أعلن عن قيامه بتمويل إنشاء مستشفى الصحفيين.
الرجل الذى أحدثكم عنه هو الشيخ سلطان القاسمى حاكم إمارة الشارقة خريج كلية الزراعة بجامعة القاهرة، الذى يجهر دائماً بعشقه لمصر التى قال عنها أثناء افتتاح المقر الجديد لدار الوثائق القومية بمدينة الفسطاط: «فضل مصر على الخليج عموماً، والإمارات خاصة، لا ولن ننساه، فرغم الظروف الصعبة التى كانت تمر بها، لم تتوانَ عن تقديم العون لنا، وساعدتنا، وأمدتنا بالمعلمين الذين أسهموا فى النهضة العلمية للبلاد.
يعيش الشيخ سلطان القاسمى على بعد آلاف الأميال عن مصر، لكنها لا تبارح خاطره أبداً، ويعشقها كأحد أبنائها، يتابع أحوالها يومياً، وكأنه يحيا بهذا الحب -أو له- يقول دائماً للمصريين: «اعتبرونى واحداً منكم». وعن مصر يقول: «ليتكم عرفتموها كما عرفتها، لقد درستها دراسة وافية، ودرست تاريخها وحضارتها، ولهذا لزاماً أن نقف معها دوماً».
ولا أنسى يوم أن قال أثناء منحه الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة: «أتمنى لو أكون ماسحاً لأحذية الجنود المصريين «وقال أيضاً: «أنا صناعة مصرية 100%، ومصر لها فضل علىّ كفضل الشمس على الأرض».
أعرف أن لمصر عشاقاً من جميع أنحاء الأرض، ويظل الشيخ سلطان حالة متفردة، فهى تجرى فى شرايينه مجرى الدم، هو سلطان العاشقين لمصر، ومن حق الرجل علينا أن نكرّمه بما يستحق، فهل تمنحه مصر قلادة النيل مثلاً، الرجل لا ينقصه التكريم، فقد ناله من معظم دول العالم تقريباً، من فرنسا وإنجلترا واليابان وروسيا والصين واليونيسكو وغيرها، إن كان الرجل يستحق التكريم، فمصر تستحق كل الحب الذى يكنه لها.