عند الحديث عن حجاب الفنانات يجب أن نقول إننا نفرّق بين الظاهرة (حجاب الفنانات) وبين الارتداء العادى للحجاب كفعل تدين فردى تقدم عليه أى سيدة مسلمة متى شاءت، تعبيراً عن علاقة بينها وبين ربها. أما «حجاب الفنانات» فهو حركة شبه جماعية، شبه منظمة، ظهرت فى مصر فى بدايات الثمانينات، وكانت على صلة وثيقة بحركة الدعاة الجدد أو الدعاة النجوم.. وتبادلت معها الدعم والتأثير عبر شبكات المصالح المختلفة. وقد كان للشيخ الشعراوى، رحمه الله، دور كبير فى إقناع عدد كبير من الفنانات، والفنانين أيضاً، بالحجاب والتوبة عن الفن. وليس سراً أنه كان يأخذ على عاتقه إيجاد مصادر تمويل لحياة هؤلاء الفنانات والفنانين تعوضهم عن الدخل الذى كانوا يحققونه من عملهم بالفن. وقد تزامن ذلك مع تقارير صحفية، نشرت أحدها صحيفة المحرر الباريسية، كانت تتحدث عن تمويل سخى تقدمه مؤسسة الراجحى السعودية لبعض هؤلاء التائبات.. وقد تحدّث الشيخ الشعراوى للصحفى محمود فوزى فى كتابه «الشعراوى من القرية إلى القمة» عن الآلية التى كان يستخدمها فى إقناع الفنانات بالتوبة، حيث كان يسألهن عن المصير الذى وصلت إليه نجمات الزمن الماضى بعد التقاعد (غالباً كان يقصد الفنانة فاطمة رشدى)، فكن يُشرن إلى أن وضعهن سيئ، وأنه ينفق عليهن من لم يستفد بعملهن فى الفن.. وهكذا، كان التخويف من سوء المصير ومن العاقبة المادية السيئة للعمل بالفن هو وسيلة الشيخ الشعراوى لإقناع الفنانات بارتداء الحجاب.
وليس سراً أن كل داعية كانت ترتبط به وبحركة مريديه فنانة أو أكثر من الفنانات، وليس سراً أن فضيلة الشيخ الشعراوى قد لعب الدور الأكبر فى «توبة» العظيمة شادية التى تمثل حالة استثنائية وسط السياق الذى نتحدث فيه، كما لعب دوراً كبيراً مع أخريات، حتى إنه اضطر لنفى شائعات تتحدث عن زواجه من بعضهن، وهو نفس ما حدث مع داعية آخر هو ياسين رشدى الذى زوّجته الشائعات من الفنانة المعتزلة مديحة كامل. وما أريد أن أقوله هو إن حركة «حجاب الفنانات» كانت حركة منظمة، لا تشكل تنظيماً، لكنها أقرب للشبكة الاجتماعية التى لعبت فيها بعض الفنانات دور القيادة (ومنهن الفنانة شهيرة)، ولعبت فيها دور الإرشاد الروحى، ولعب فيها بعض أثرياء ومؤسسات الخليج دور التمويل.. وقد ارتبط صعودها بصعود تيار التسلف والأخونة فى المجتمع المصرى طوال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، كما ارتبط تراجعها بثورة ٣٠ يونيو وتغير الظروف الإقليمية ونوبة الصحيان التى انتابت المجتمع المصرى تجاه أشكال الاتجار بالدين.. وبقى الدرس الذى يمكن أن تستخلصه بناتنا وأخواتنا المصريات، وهو أن الحجاب، كمعنى وكرمز، تمت المتاجرة به فى أسواق السياسة والمال من قبَل كثيرين قاموا بخداع فتياتنا وتسويق الحجاب لهن على أنه رمز دينى، فى حين أنه لم يكن سوى رمز سياسى لصمود تيارات بعينها، فكان من الطبيعى أن يتراجع بعدما تراجعت، وأن يسقط ثقافياً عندما سقطت.